سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : قال ابن كثير وغيره : وصلاتهم عليه فرادى لم يؤمهم أحد عليه أمر مجمع عليه لا خلاف فيه . [ ص: 331 ]

قال ابن كثير : فلو صح حديث ابن مسعود؛ أي السابق في باب جمعه أصحابه لكان نصا في ذلك ، ويكون في باب التعبد الذي لا نعقل معناه .

قلت : الحديث سنده جيد ، وليس لأحد أن يقول إنه لم يكن لهم إمام؛ لأنهم إنما شرعوا في تجهيزه- عليه الصلاة والسلام- بعد تمام بيعة أبي بكر .

وقد اختلف في تعليله ، فقال الإمام الشافعي : إنما صلوا عليه فرادى لعظم أمر النبي- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه ، وصلوا مرة بعد أخرى . انتهى .

قال بعض العلماء : إنما لم يؤمهم أحد ليباشر كل واحد من الناس الصلاة عليه منه إليه ، ولتكرر صلاة المسلمين عليه مرة بعد أخرى ، من كل فرد فرد من آحاد الصحابة ، رجالهم ونسائهم ، وصبيانهم ، حتى العبيد والإماء .

قال السهيلي وغيره : أن المسلمين صلوا عليه أفذاذا لا يؤمهم أحد ، كلما جاءت طائفة صلت عليه ، وهذا مخصوص به- صلى الله عليه وسلم- ولا يكون هذا الفعل إلا عن توقيف .

وكذلك روي أنه أوصى بذلك . ذكره الطبري [مسندا] ووجه الفقه فيه أن الله تعالى افترض الصلاة علينا عليه بقوله صلوا عليه وسلموا تسليما [الأحزاب : 56] وحكم هذه الصلاة التي تضمنتها الآية أن لا تكون بإمام ، والصلاة عليه عند موته داخلة في لفظ الآية ، وهي متناولة لها وللصلاة عليه على كل حال .

وأيضا : فإن الرب تبارك وتعالى [قد أخبر أنه يصلي عليه وملائكته ، فإذا كان الرب تعالى] هو المصلي والملائكة ، قيل : المؤمنين ، وجب أن تكون صلاة المؤمنين تبعا لصلاة الملائكة وأن تكون الملائكة هم الإمام . انتهى .

وقال أبو عمر - رحمه الله تعالى- : وصلاة الناس عليه أفذاذا لم يؤمهم أحد أمر مجمع عليه عند أهل السنة وجماعة أهل النقل لا يختلفون فيه ، ووافق أبا عمر على ذلك خلائق من العلماء حكوا فيه الإجماع ، وتعقب أبو عمر بعض المغاربة بأن ابن القصار ، حكى الخلاف هل صلوا عليه الصلاة المعهودة أو دعوا فقط ؟ وهل صلوا أفرادا أو جماعة ؟ واختلفوا فيمن أم بهم .

فقيل : أبو بكر ، وروي ذلك بإسناد لا يصح فيه حرام بن عثمان وهو ضعيف جدا .

قال ابن دحية : وهو ضعيف بيقين لضعف رواته وانقطاعه ، وتعقبه بعض العلماء بوجوه .

الأول : أن الموجود في كتب «المغازي» و «الحديث» هو ما ذكره ولم يوجد أنهم صلوا عليه بإمام في حديث صحيح ولا حسن ولا ضعيف .

الثاني : قال الإمام الشافعي ، ويحيى بن معين ، والجوزجاني : الرواية عن حرام . [ ص: 332 ]

وقال الإمام مالك ويحيى : ليس بثقة ، واتهمه غير واحد من الحفاظ .

الثالث : حديث ابن مسعود السابق ، وقد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ويرتقي بها الحديث إلى قريب من درجة الحسن ، وهو نص فيما قاله أبو عمر .

قال أبو الخطاب بن دحية : والصحيح أن المسلمين صلوا عليه فرادى لا يؤمهم أحد ، وبه جزم الإمام الشافعي - رضي الله تعالى عنه- قال : وذلك لعظم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بأبي هو وأمي ، وتنافسهم فيمن يتولى الصلاة عليه وصلوا عليه مرة بعد أخرى .

قال ابن كثير : وعلى تقدير صحته يكون ذلك من باب التعبد الذي لا يعقل معناه .

والصحيح الذي عليه الجمهور أن صلاة الصحابة عليه كانت حقيقة لا مجرد الدعاء فقط ، قاله القاضي عياض ، وتبعه النووي رحمهما الله تعالى .

وذهب شرذمة إلى أنه- صلى الله عليه وسلم- لم يصل عليه الصلاة المعتادة ، وإنما كان الناس يأتون فيدعون ويترحمون .

قال الباجي : ووجه : أنه- صلى الله عليه وسلم- أفضل من كل شهيد ، والشهيد يغنيه فضله عن الصلاة عليه ، فرسول الله- صلى الله عليه وسلم- أولى ، قال : وفارق الشهيد في الغسل؛ لأن الشهيد حذر من غسله لإزالة الدم عنه ، وهو مطلوب بقاؤه لطيبه ، ولأنه عنوان شهادته في الآخرة ، وليس على النبي- صلى الله عليه وسلم- ما يكره إزالته فافترقا .

الرابع : قال في «المورد» نقلت من خط شيخنا الحافظ الزاهد أبي عبد الله محمد بن عثمان المعروف بالضياء الرازي قال : قال سحنون بن سعيد : سألت جميع من لقيت من فقهاء الأمصار من أهل المغرب والمشرق ، عن الصلاة على النبي- صلى الله عليه وسلم- بعد وفاته : هل صلوا عليه ؟ وكم كبر عليه ؟ فكل لم يدر حتى قدمت المدينة ، فلقيت عبد الله بن ماجشون ، فسألته فقال : صلى عليه اثنان وتسعون صلاة ، وكذلك صلى على عمه حمزة ، قال : قلت : من أين لك هذا دون الناس ؟ قال : وجدتها في الصندوق التي تركها مالك ، وفيه عميقات المسائل ومشكلات الأحاديث بخطه عن نافع عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- .

قال الحافظ أبو الفضل العراقي في سيرته المنظومة .

وليس هذا بمتصل الإسناد عن مالك في كتب النقاد .

الخامس : في بيان غريب ما سبق :

السرير : أرسالا : [ ص: 333 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية