سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس في ذكر من كان آخر الناس عهدا به في قبره- صلى الله عليه وسلم-

روى الإمام أحمد عن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن نفرا من أهل العراق قالوا لعلي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه- : يا أبا الحسن ، جئناك نسألك عن أمر نحب أن تخبرنا عنه قال : أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالوا : أجل؛ عن ذلك جئنا لنسألك ، قال : أحدث الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قثم بن العباس .

وروى أيضا ابن سعد برجال ثقات عن أبي عسيب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما وضع في لحده ، قال المغيرة بن شعبة : إنه قد بقي من قبل رجليه شيء لم تصلحوه ، قالوا : فادخل فأصلحه ، فدخل فمسح قدميه- صلى الله عليه وسلم- ثم قال : أهيلوا علي التراب! فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف ساقيه ، فخرج فجعل يقول : أنا أحدثكم عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم - .

وروى البيهقي عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال : لما وضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في لحده ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فقال علي : إنما ألقيته لتنزل فنزل فأعطاه إياه أو أمر رجلا فأعطاه .

وروى ابن سعد عن عروة بن الزبير قال : لما وضع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في لحده ألقى المغيرة بن شعبة خاتمه في القبر ، ثم قال : خاتمي ، فقالوا : ادخل فخذه ، قال : فدخل ثم قال : أهيلوا علي التراب ، فأهالوا عليه التراب حتى بلغ أنصاف قدميه ، فخرج ، فلما سوى على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : اخرجوا ، حتى أغلق الباب ، فإني أحدثكم عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : لعمري ، لئن كنت أردتها لقد أصبتها .

وروى ابن أبي شيبة وأحمد بن منيع عن المغيرة بن شعبة قال لأنا آخر الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- حضرنا ولحدنا ، فلما حضروا ودفنوا ألقيت الفأس في القبر ، فقلت : الفأس الفأس ، فأخذته ومسحت بيدي على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- رواه أبو يعلى بلفظ : ألقيت خاتمي ، فقلت : يا أبا الحسن ، خاتمي ، قال : انزل فخذ خاتمك ، ووضعت يدي على الكفن ، ثم خرجت فنزلت فأخذت خاتمي

سنده مجالد وهو ضعيف . [ ص: 339 ]

وروى الطبراني برجال ثقات غير مجالد وهو مختلف فيه عن المغيرة بن شعبة قال :

كنت فيمن حفر قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- قالوا : فلحدنا لحدا ، فلما دخل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- القبر طرحت الفأس ، ثم قلت : الفأس الفأس ، ثم نزلت فوضعت يدي على اللحد
.

وروي أيضا بإسناد قوي عن ابن أبي مرحب قال : نزل في قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أربعة :

أحدهم عبد الرحمن بن عوف ، وكان المغيرة بن شعبة يدعي أنه أحدث الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- ويقول : أخذت خاتمي ، فألقيته ، وقلت : خاتمي سقط من يدي لأمس رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فأكون آخر الناس عهدا به .
قال الحاكم : أصح الأقاويل أن آخر الناس عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قثم بن العباس . قال ابن كثير : وقول من قال : إن المغيرة بن شعبة كان آخرهم عهدا ليس بصحيح؛ لأنه لم يحضر دفنه فضلا عن أن يكون آخرهم عهدا برسول الله- صلى الله عليه وسلم- قلت : في كونه لم يحضر دفنه نظر لما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية