سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع في موضع قبره الشريف وصفته وصفة حجرته وبعض أخبارها

تقدم في أحاديث أبي بكر أنه أخر فراش رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وحفر في موضعه .

وهو قوله :

فسمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : «لا يدفن نبي إلا حيث قبض» .

وقد علم بالتواتر أنه- صلى الله عليه وسلم- دفن في حجرة عائشة - رضي الله تعالى عنها-[التي كانت تختص بها شرقي مسجده في الزاوية الغربية القبلية من الحجرة ، ثم دفن بعده أبو بكر ، ثم عمر .

وروى ابن سعد والحاكم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها-] ومسدد- برجال ثقات- والحميدي والحاكم وصححه عن سعيد بن المسيب أن عائشة قالت لأبي بكر : رأيت كأن ثلاثة أقمار سقطن في حجرتي ، فقال : يدفن في بيتك ثلاثة هم خير أهل الأرض ، فلما قبض رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودفن ، قال أبو بكر : هذا خير أقمارك .

وروي عن أنس أن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قصت مناما رأته على رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال لها : «إن صدقت رؤياك يدفن في بيتك ثلاث هم خير أهل الأرض» .

وروى البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه قال : جعل قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسطوحا .

وروى يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن هارون بن سليمان قال : حدثني غير واحد من مشايخ أهل المدينة أن صفات القبور الثلاثة مسطوحة عليها بطحاء من بطحاء العرصة الحمراء .

ويؤيده ما رواه أبو داود بإسناد صحيح والحاكم وصحح إسناده من طريق القاسم بن محمد بن أبي بكر قال : دخلت على عائشة فقلت : يا أماه ، اكشفي لي عن قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وصاحبيه ، فكشفت لي عن ثلاثة قبور لا مشرفة ولا لاطئة ، مبطوحة ببطحاء العرصة الحمراء .

زاد الحاكم : فرأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مقدما وأبو بكر رأسه بين كتفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم-[ وعمر رأسه عند رجل رسول الله- صلى الله عليه وسلم - . [ ص: 343 ]

وروى ابن النجار في «تاريخ المدينة» أن امرأة سألت عائشة أن اكشفي لي عن قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم-] فكشفته فبكت حتى ماتت- رضي الله تعالى عنها- ورحمها .

وحكي عن أبي الفضل الحموي أحد خدام الحجرة النبوية أنه شاهد شخصا من الزوار ، وأتى باب مقصورة الحجرة الشريفة فطأطأ رأسه نحو العتبة ، فحركوه ، فإذا هو ميت ، وكان من حضر جنازته- رحمهما الله تعالى- .

وأما ما رواه البخاري في الصحيح عن سفيان التمار أنه رأى قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسنما . زاد أبو نعيم في «المستخرج» ، وقبر أبي بكر وعمر كذلك ، فلا يعارض ذلك أن سفيان ولد في زمان معاوية ، فلم ير القبر إلا في آخر الأمر ، فيحتمل كما قال البيهقي أن القبر لم يكن في أول الأمر مسنما ثم سنم لما سقط الجدار في إمارة عمر بن عبد العزيز على المدينة من قبل الوليد ، صيروها مرتفعة ، فقد روى يحيى بن الحسن عن عبد الله بن الحسين قال :

رأيت قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مسنما في زمن الوليد بن هشام .

وقد اختلف في صفة القبور الشريفة بالحجرة المنيفة على سبع كيفيات .

الأولى :

أن قبر النبي- صلى الله عليه وسلم-[أمامها] إلى القبلة مقدما بجدار القبلة ، ثم قبر أبي بكر حذاء منكبي النبي- صلى الله عليه وسلم- وقبر عمر حذو منكبي أبي بكر هكذا .

سيدنا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر - رضي الله عنه- عمر- رضي الله عنه- قال النووي : هذا هو المشهور وقال السيد السمهودي في «تاريخ المدينة» : إنه الذي عليه الأكثرون وإنها أشهر الروايات .

الثانية :

أن قبر الرسول- صلى الله عليه وسلم- مقدما وأبا بكر رأسه بين كتفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وعمر رأسه عند رجلي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .

قال أبو اليمن بن عساكر : وهذه صفته :

النبي- صلى الله عليه وسلم- عمر- رضي الله تعالى عنه- [ ص: 344 ] أبو بكر الصديق - رضي الله تعالى عنه-

الثالثة :

روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة عن إسماعيل بن عبد الرحمن عن أبيه عن عمرة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : رأس أبي بكر عند رجلي النبي- صلى الله عليه وسلم- وعمر خلف ظهر النبي- صلى الله عليه وسلم- .

قال أبو اليمن بن عساكر وهذه صفته :

النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر - رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه- قال السيد نور الدين السمهودي : ويردها ما في الصحيح من أن الذي بدت قدمه عند هدم الجدار إنما هو عمر؛ لأن الجدار المنهدم ، إنما هو الشرقي ، ولو صحت هذه الرواية لكان البادي قدم أبي بكر .

الرابعة :

روى أبو نعيم من طريق محمد بن الحسن بن زبالة ، ثنا محمد بن إسماعيل عن عمرو بن عثمان عن القاسم بن محمد ، فذكر مثل الحديث المذكور في الثالثة إلا أنه قال :

فإذا قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- أمامها ورجلا أبي بكر عند رأس النبي- صلى الله عليه وسلم- ورأس عمر عند رجلي أبي بكر .

قال أبو اليمن : وهذه صفته :

النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر - رضي الله تعالى عنه- عمر - رضي الله تعالى عنه-

الخامسة :

روى أبو نعيم عن عثمان بن نسطاس قال : رأيت قبر رسول الله- صلى الله عليه وسلم- لما هدم عمر بن عبد العزيز عنه البيت مرتفعا نحوا من أربع أصابع عليه حصباء إلى الحمرة مائلة ، ورأيت قبر أبي بكر وراء قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- ورأيت قبر عمر أسفل منه وصوره لنا هكذا :

النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر - رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه-

السادسة :

روي عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : خرجت في ليلة مطيرة إلى المسجد حتى إذا كنت عند دار المغيرة بن شعبة لقيتني رائحة لا والله ما وجدت مثلها قط فجئت إلى المسجد فبدأت بقبر النبي- صلى الله عليه وسلم- فإذا جداره قد انهدم فدخلت فسلمت على النبي- صلى الله عليه وسلم- ومكثت فيه مليا ، فإذا قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- وقبر أبي بكر عند رجليه وعليهم . [ ص: 345 ]

حصباء من حصباء العرصة ، وقبر عمر عند رجلي أبي بكر .

قال أبو اليمن وهذه صفته :

النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر - رضي الله تعالى عنه- عمر - رضي الله تعالى عنه-

السابعة :

روى ابن زبالة عن المنكدر بن محمد عن أبيه قال : قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- هكذا ، وقبر أبي بكر خلفه ، وقبر عمر عند رجلي النبي- صلى الله عليه وسلم- .

النبي- صلى الله عليه وسلم- أبو بكر - رضي الله تعالى عنه- عمر- رضي الله تعالى عنه- وهذه الروايات ما عدا الأولى والثانية أسانيدها ضعيفة ، وأشهرها الأولى كما تقدم .

قال حسان بن ثابت - رضي الله تعالى عنه- :


ثلاثة برزوا بسبقهم نصرهم ربهم إذا نشروا     عاشوا بلا فرقة حياتهم
واجتمعوا في الممات إذ قبروا     فليس من مسلم له بصر
ينكر فضلهم إذا ذكروا

وقال غيره :


ثلاثة أقبر جلت وعزت     حوت خير الورى مع صاحبيه
محمد المصطفى من قريش     وصديق له أثنى عليه
وثالثهم هو الفاروق حقا     فكل مدائحي تهدى إليه

وروى ابن زبالة عن المطلب- رضي الله تعالى عنه- قال : كانوا يأخذون من تراب القبر ، وأمرت عائشة بجداره فضرب عليهم ، وكان في الجدار كوة ، فكانوا يأخذون منها ، فأمرت بالكوة فسدت .

وروى ابن سعد عن مالك بن أنس قال : قسم مبيت عائشة باثنين : قسم كان فيه القبر ، وقسم كان فيه عائشة .

وروى عمر بن شبة عن أبي غسان قال : لم يزل بيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- الذي دفن فيه ظاهرا حتى بنى عمر بن عبد العزيز عليه الخطار المزور حين بنى المسجد في خلافة الوليد ، وإنما جعله مزورا كراهية أن يشبه تربيعه تربيع القبلة ، وأن يتخذ قبلة يصلى إليه .

وروى ابن زبالة عن غير واحد من أهل العلم أن البيت مربع مبني بحجارة سود وقصة [ ص: 346 ] والذي يلي القبلة من أطوله ، والشرقي والغربي سواء ، والشامي أنقصها ، وباب البيت مما يلي الشام مسدود بالحجارة السود ، والقصة ، ثم بنى عمر بن عبد العزيز هذا البناء الطاهر ، وزوره لئلا يتخذه الناس قبلة تخص بها الصلاة من بين المسجد قالوا : والبناء الذي حول بينه وبين البناء الظاهر اليوم مما يلي المشرق ذراعان ، ومما يلي المغرب ذراع ، ومما يلي القبلة شبر ، ومما يلي الشام فضاؤه كله ، وفي الفضاء الذي يلي الشام بركن مكسور ومكتل خشب ، يقال : إن البناء بين نسوة هناك .

وروى يحيى بن الحسن الحسيني عن أبي غسان محمد بن يحيى قال : سمعت من يقول إن في الحظار الذي على قبر النبي- صلى الله عليه وسلم- مركن وخشبة وجريدة مسندة .

قال ابن أبي الزناد : هو مركن تركه العمال هناك . قال أبو غسان : فأما أنا فإني اطلعت في الحظار ، فلم أر شيئا ، فزعم لي زاعم أنه قد رأى ثم مركنا أو شيئا موضوعا مع الركن ، وأما أنا فلم أره ، ولا أعلم أحدا يدري من أخذه ، ولم أر البيت الذي في الحظار .

التالي السابق


الخدمات العلمية