سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع عشر في حكم تركته- صلى الله عليه وسلم- وما خلف

روى الإمام أحمد عن أبي بكر - رضي الله تعالى عنه- ، أن النبي- صلى الله عليه وسلم- لا يورث ، وإنما ميراثه للفقراء والمساكين .

روى ابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «والله لا تقتسم ورثتي بعدي دينارا ما تركت من شيء بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة» .

وروى الترمذي وقال : حسن غريب من أبي هريرة أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «لا نورث» .

وروى الإمامان مالك وأحمد ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن عمر وعثمان وعلي وسعد بن أبي وقاص وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف ، والإمامان مالك وأحمد والشيخان عن عائشة ومسلم والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «لا نورث ، ما تركنا صدقة» .

وروى الإمام أحمد والشيخان والعرني وأبو داود والنسائي : « لا نورث ، ما تركنا صدقة ، وإنما يأكل آل محمد في هذا المال » .

وروى أبو داود عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «لا نورث ما تركنا صدقة ، وإنما هذا المال لآل محمد لنائبتهم ، ولضيفهم ، فإذا مت فهو إلى ولي الأمر من بعدي» .

وروى ابن سعد والإمام أحمد والشيخان وأبو داود والنسائي وابن الجارود وأبو عوانة وابن حبان والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن فاطمة - رضي الله تعالى عنها- بنت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مما أفاء الله على رسوله ، وفاطمة حينئذ تطلب صدقة النبي- صلى الله عليه وسلم- التي بالمدينة وفدك وما بقي من خمس خيبر ، فقال أبو بكر : أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «لا نورث ما تركنا صدقة ، إنما يأكل آل محمد من هذا المال ، يعني مال الله ، ليس لهم أن يزيدوا على المأكل ، وإني والله ، لا أغير شيئا من صدقة النبي- صلى الله عليه وسلم- عن حالها التي كانت عليها في عهد النبي- صلى الله عليه وسلم- ولأعملن فيها بما عمل النبي- صلى الله عليه وسلم- فيها ، فأبى أبو بكر أن يدفع إلى فاطمة شيئا ، فوجدت فاطمة على أبي بكر - رضي الله تعالى عنها- في ذلك . [ ص: 370 ]

فقال : والذي نفسي بيده ، لقرابة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أحب إلي أن أصل قرابتي ، وأما الذي شجر بيني وبينكم من هذه الأموال ، فإني لم أك فيها عن الحق ، وإني لم أكن لأترك فيها أمرا ، رأيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يصنعه فيها إلا صنعته .


وروى ابن سعد - برجال ثقات- سوى الواقدي - عن عمر بن الخطاب - رضي الله تعالى عنه- قال : «لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بويع لأبي بكر في ذلك اليوم ، فلما كان من الغد جاءت فاطمة لأبي بكر معها علي ، فقالت : ميراثي من رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فقال أبو بكر - رضي الله تعالى عنه- : أمن الرثة أو من العقد قالت : فدك وخيبر وصدقاته بالمدينة ، أرثها كما يرثك بناتك إذا مت ، فقال أبو بكر : أبوك والله خير مني وأنت والله خير من بناتي ، وقد قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «لا نورث ما تركنا صدقة» ، يعني هذه الأموال القائمة ، فتعلمين أن أباك أعطاكها فو الله ، لئن قلت : نعم لأقبلن قولك ، ولأصدقنك ، قالت : جاءتني أم أيمن ، فأخبرتني أنه أعطاني فدك ، قال عمر : فسمعته يقول : هي لك ، فإذا قلت قد سمعته فهي لك ، فأنا أصدقك ، وأقبل قولك ، قالت : قد أخبرتك ما عندي .

وروى ابن سعد عن جعفر قال : جاءت فاطمة إلى أبي بكر ، تطلب ميراثها ، وجاء العباس بن عبد المطلب يطلب ميراثه ، وجاء معهما علي .

فقال أبو بكر : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «لا نورث ما تركنا صدقة» وما كان النبي يعول فعلي ، فقال علي : وورث سليمان داود [النمل : 16] وقال زكريا : يرثني ويرث من آل يعقوب [مريم : 6] قال أبو بكر : هو هكذا ، وأنت الله أعلم مثل ما أعلم ، فقال علي : هذا كتاب الله ينطق ، فسكتوا وانصرفوا
.

وروى عبد الرزاق والإمام أحمد وعبد بن حميد والشيخان وأبو داود والترمذي والنسائي وأبو عوانة وابن حبان وابن مردويه والبيهقي وأبو عبيد في «الأموال» عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : أرسل إلي عمر بن الخطاب حجبته فجاء يرفأ فقال : هل لك يا أمير المؤمنين في عثمان ، وعبد الرحمن بن عوف ، والزبير ، وسعد ؟ قال : نعم ، ثم جاء ، فقال : هل لك في عباس وعلي ؟ قال : نعم ، فدخلوا ، قال عمر : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمون أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «لا نورث ما تركنا صدقة» ، فقالوا : نعم ، فأقبل على عباس وعلي فقال : أنشدكما بالله الذي تقوم السماء والأرض بإذنه ، أتعلمان أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «لا نورث ما تركنا صدقة» قال : نعم ، قال عمر : فإن الله كان خص رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بخاصة لم يخصص بها أحدا غيره قال : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى [الحشر : 7] فقسم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بينكم أموال بني النضير ، فو الله ، ما أستأثر عليكم ، ولا آخذها دونكم حتى بقي هذا المال ، فكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يأخذ منه نفقة سنة [ ص: 371 ] ثم يجعل ما بقي أسوة المال ، ثم قال : أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض ، أتعلمون ذلك ؟ قالوا : نعم ، ثم نشد عباسا وعليا بمثل ما نشد به القوم : أتعلمان ذلك : قالا : نعم ، فلما توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال أبو بكر : أنا ولي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجئتما تطلب ميراثك من ابن أخيك ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها فقال أبو بكر : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «لا نورث ما تركنا صدقة» فرأيتماه كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم إنه لصادق بار راشد تابع للحق ، ثم توفي أبو بكر فقلت : أنا ولي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وولي أبي بكر فرأيتماني كاذبا آثما غادرا خائنا ، والله يعلم أني لصادق بار راشد تابع للحق ، فوليتماني حتى جئتني أنت ، وهذا وأنتما جميع ، وأمركما واحد ، فقلتما ادفعها إلينا ، فقلت : إن شئتم دفعتها إليكما على أن عليكما عهد الله وميثاقه أن تعملا فيه بالذي كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر يعملان فيها فأخذتماها بذلك ، فقال : أكذلك ؟ قالا : نعم ، ثم جئتماني لأقضي بينكما ، ولا والله لا أقضي بينكما بغير ذلك حتى تقوم الساعة ، فإن عجزتما عنها فرداها إلي .

وروى الإمام أحمد والشيخان والبيهقي عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- أن فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- سألت أبا بكر بعد وفاة رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أن يقسم لها ميراثها مما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مما أفاء الله عليه ، فقال لها أبو بكر : أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «لا نورث ما تركنا صدقة» فغضبت فاطمة ، فهجرت أبا بكر ، فلم تزل مهاجرة حتى توفيت وعاشت بعد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ستة أشهر ، فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها مما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة ، فأبى أبو بكر ذلك ، وقال : لست تاركا شيئا كان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يعمله إلا عملته ، فإني أخشى إن تركت شيئا من أمره أن أزيغ .

وروى الحميدي عن زر بن حبيش قال : سألت عائشة عن ميراث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قالت : أعن ميراث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- تسأل ؟ ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- صفراء ولا بيضاء ولا شاة ولا بعيرا ولا عبدا ولا أمة ولا ذهبا ولا فضة .

وروى البخاري عن عمرو بن الحارث ختن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أخي جويرية بنت الحارث قال : ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند موته دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا أمة ولا شيئا إلا بغلته البيضاء وسلاحه وأرضا جعلها صدقة .

وروى الإمام أحمد وابن عساكر عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : مات رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وما ترك دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا وليدة ، وترك درعه عند يهودي على ثلاثين صاعا من شعير .

وروى ابن عساكر عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : والله ، لا تقتسم ورثتي [ ص: 372 ]

بعدي ، ما تركت من بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة .

وروى الإمام أحمد وابن عساكر من طرق ومسلم عن عائشة - رضي الله تعالى عنها- قالت : ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دينارا ولا درهما ولا عبدا ولا شاة ولا بعيرا ولا أوصى بشيء .

وروى البخاري عن ابن عباس ومحمد ابن الحنفية قال : ما ترك رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلا ما بين الدفتين .

وروى البخاري عن عاصم الأحول قال : رأيت قدح رسول الله- صلى الله عليه وسلم- عند أنس ، وكان قد انصدع فسلسله بفضة قال : وهو قدح عريض من نضار ، قال معمر : والنضار شجر ب «نجد» وقال أنس : لقد سقيت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في هذا القدح ، وكان فيه حلقة من حديد ، فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من فضة أو ذهب ، فقال أبو طلحة : لا تغيره كما كان عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ، فتركه .

وروي عن عيسى بن طهمان قال : أخرج إلينا أنس نعلين جرداوين لهما قبالان ، قال :

فحدثني ثابت بعد عن أنس أنهما نعلا رسول الله- صلى الله عليه وسلم- .


وروى البيهقي عن فاطمة بنت الحسين أن النبي- صلى الله عليه وسلم- قبض وله بردان في الحق يعملان .

وروي أيضا عن سهل بن سعد قال : توفي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وله جبة صوف في الحياكة .

التالي السابق


الخدمات العلمية