سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول :

قوله- صلى الله عليه وسلم- لا نورث ما تركنا صدقة .

قال الباجي : أجمع أهل السنة على أن هذا حكم جميع الأنبياء- عليهم الصلاة والسلام- .

وقال ابن علية : هذا لنبينا- صلى الله عليه وسلم- خاصة .

وقالت الإمامية : إن جميع الأنبياء يورثون ، وتعلقوا في ذلك بأنواع من التخليط لا شبهة فيها مع ورود هذا النص .

قال : وقد أخبرني القاضي أبو جعفر السمناني أن أبا علي بن شاذان ، وكان من أهل العلم بهذا الشأن ، إلا أنه لم يكن قرأ عربية ، فناظر يوما في هذه المسألة أبا عبد الله بن المعلم ، وكان إمام الإمامية ، وكان مع ذلك من أهل العلم بالعربية ، فاستدل ابن شاذان على أن الأنبياء لا يورثون بحديث : « إنا معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة » نصب على الحال . [ ص: 373 ]

فقال له ابن المعلم : أما ما ذكرت من هذا الحديث ، فإنما هو صدقة نصب على الحال فيقتضي ذلك أن ما تركه النبي- صلى الله عليه وسلم- على وجه الصدقة لا يورث عنه ، ونحن لا نمنع هذا وإنما نمنع ذلك فيما تركه على غير الوجه ، واعتمد هذه النكتة الغريبة لما عرف أن ابن شاذان لا يعرف هذا الشأن ولا يفرق بين الحال وغيرها ، فلما عاد الكلام إلى ابن شاذان ، قال له : ما ادعيت من قوله- صلى الله عليه وسلم- «لا نورث ما تركنا صدقة»

إنما هو صدقة منصوبة على الحال ، وأنت لا تمنع هذا الحكم فيما تركه الأنبياء- صلوات الله عليهم- على هذا الوجه ، فإنا لا نعلم فرقا بين قوله «ما تركنا صدقة» بالنصب وبين قوله «ما تركنا صدقة» بالرفع ، ولا أحتاج في هذه المسألة إلى معرفة ذلك؛ فإنه لا شك عندي وعندك أن فاطمة- رضي الله تعالى عنها- من أفصح العرب ومن أعلمهم بالفرق بين قوله : «ما تركنا صدقة» بالنصب و «ما تركنا صدقة» بالرفع ، وكذلك العباس بن عبد المطلب ، وهو ممن كان يستحق الميراث لو كان موروثا ، وكان علي بن أبي طالب من أفصح قريش وأعلمهم بذلك ، وقد طلبت فاطمة ميراث أبيها ، فأجابها أبو بكر الصديق بهذا اللفظ على وجه ، ففهمت منه أنه لا شيء لها ، فانصرفت عن الطلب ، وفهم ذلك العباس وكذلك علي وسائر الصحابة ولم يعترض أحد منهم لهذا الاعتراض ، وكذلك أبو بكر الصديق المحتج به والمتعلق به ، لا خلاف أنه من فصحاء العرب العالمين بذلك ، لم يورد من هذا اللفظ إلا بما يقتضي المنع ، ولو كان اللفظ لا يقتضي المنع لما أورده ولا يتعرق به ، فإما أن يكون بالنصب يقتضي ما يقوله فادعاؤك فيما قلت باطل ، وإما أن يكون الرفع هو الذي يقتضيه فهو المروي وادعاء النصب فيه باطل .

الثاني : ذكر ابن إسحاق في قصة تبوك أن النبي- صلى الله عليه وسلم- أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم أمانا لهم ، وهي التي كانت عند الخلفاء ، اشتراها أبو العباس عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار ، فهي عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية