سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
جماع أبواب زيارته- صلى الله عليه وسلم- بعد موته وفضلها

الباب الأول في فضل زيارته- صلى الله عليه وسلم-

قال القاضي عياض في «الشفاء» وزيارة قبره- صلى الله عليه وسلم- : سنة من سنن المرسلين [مجمع عليها] وفضيلة مرغب فيها .

وإذا قرب من المدينة؛ فلينزل عن راحلته ، ويكفي زائره شرفا قوله- صلى الله عليه وسلم- : «من زارني بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن زارني وجبت له شفاعتي» .

قال ابن الرشيد والإمام العلامة : لما قدمنا المدينة الشريفة في سنة أربع وثمانين وستمائة كان معي رفيقي الوزير أبو عبد الله بن أبي القاسم بن الحكيم ، وكان أرمد ، فلما وصلنا دار الخليفة ونحوها نزلنا عن الأكوار وقوي الشوق لقرب المزار ، فنزل وبادر إلى المشي على قدميه احتسابا بتلك الآثار وإعظاما لمن حل بتلك الديار ، فأحس بالشفاء في نفسه ، فأنشد في نفسه لوصف الحال :


ولما رأينا من ربوع حبيبنا بيثرب أعلاما أثرن لنا الحبا     وبالقرب منها إذ كحلنا عيوننا
شفينا فلا بأسا نخاف ولا كربا     وحين تبدى للعيون جمالها
ومن بعدها عنا أزيلت لنا قربا     نزلنا على الأكوار نمشي كرامة
لمن حل فيها أن يلم بها ركبا     فسح سجال الدمع في عرصاته
وتلثم من حب لواطئه التربا     وإن بقائي دونه لخسارة
ولو أن كفي تملك الشرق والغربا     فيا عجبا ممن يحب بزعمه
يقيم مع الدعوى ويستعمل الكذبا     وزلات مثلي لا تعدد كثرة
وبعدي عن المختار أعظمها ذنبا

وحكي عن بعضهم أنه لما أشرف على المدينة الشريفة أنشد متمثلا :


رفع الحجاب لنا فلاح لناظري     قمر تقطع دونه الأوهام
[ ص: 376 ] وإذا المطي بنا بلغن محمدا     فظهورهن على الرجال حرام
قربننا من خير من وطئ الثرى     ولها علينا حرمة وذمام

وروى الإمام أحمد برجال الصحيح عن يعلى بن مرة - رضي الله تعالى عنه- قال : نزلنا منزلا فنام رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فجاءت شجرة تشق الأرض حتى غشيته ، ثم رجعت إلى مكانها ، فلما استيقظ رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ذكرت له فقال : هي شجرة استأذنت ربها عز وجل أن تسلم علي فأذن لها ، فإذا كان هذا حال شجرة ، فكيف بالمؤمن المأمور بتعظيم هذا النبي الكريم الممتلئ القلب بالشوق إليه .

وروى ابن أبي الدنيا والبيهقي عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة » .

وروى الدارقطني عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من زار قبري وجبت له شفاعتي » .

ورواه في أماليه من طريق موسى بن هلال عن عبيد الله بن عمر - مصغرا- لكن رواه الدولابي في الكنى من طريق موسى بن هلال ، فقال عن عبد الله بن عمر العمري أبو عبد الرحمن أخو عبيد الله عن نافع به ، ورواه البزار عن طريق عبد الله بن إبراهيم الغفاري ، وهو متروك .

وروى أبو داود الطيالسي عن سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي قال : حدثني رجل من آل عمر عن عمر قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : « من زار قبري أو قال : من زارني كنت له شفيعا وشهيدا » .

وروى الدارقطني من طريق هارون بن أبي قزعة عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من زارني بعد موتي ، فكأنما زارني في حياتي » .

وروى الطبراني عن ابن عمر قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من زار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي » .

ورواه الدارقطني من طريق آخر بلفظ : « من حج فزار قبري . . فذكره» ورواه أيضا الطبراني بهذا اللفظ .

وروى العقيلي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي ، ومن زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيدا أو شفيعا .

وروى أبو الفتوح سعيد بن محمد في «حزبه» عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه . [ ص: 377 ]

قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من زارني بعد موتي كمن زارني وأنا حي ، ومن زارني كنت له شهيدا أو شفيعا يوم القيامة » .

وروى يحيى بن الحسن الحسيني وابن عساكر عن علي - رضي الله تعالى عنه- قال :

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « من زار قبري بعد موتي فكأنما زارني في حياتي ، ومن لم يزرني فقد جافاني » .

وروى يحيى بن الحسن بن جعفر العلوي عن رجل عن بكر بن عبد الله عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : « من أتى المدينة زائرا إلي وجبت له شفاعتي يوم القيامة » .

رجاله لا بأس بهم ، وبكر بن عبد الله إن كان المدني فهو تابعي جليل فيكون الحديث مرسلا ، وإن كان هو بكير بن عبد الله بن الربيع الأنصاري؛ فهو صحابي .

التالي السابق


الخدمات العلمية