سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب السابع في الكلام على المقام المحمود ، والكلام على بقية شفاعته- صلى الله عليه وسلم-

قال الله عز وجل : عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا [الإسراء : 79] أجمع المفسرون على أن «عسى» من الله واجب؛ لأن «عسى» تفيد الإطماع ، والله أعظم من أن يطمع أحدا ثم لا يعطيه ما أطمعه فيه .

قال الحافظ : الجمهور على أن المراد بالمقام المحمود الشفاعة ، وبالغ الواحدي ، فنقل فيه الإجماع ، ولكنه أشار إلى ما جاء عن مجاهد وزيفه .

وقال ابن جرير : قال أكثر أهل التأويل : المقام المحمود الذي يقومه النبي- صلى الله عليه وسلم- ليريحهم من كرب الموقف ، وفي الأحاديث تصريح بذلك؛ فروى ابن خزيمة والطبراني وابن جرير بسند صحيح قال : « يشفعه الله في أمته فهو المقام المحمود » .

وروى الإمام أحمد وابن حبان والحاكم وصححاه عن كعب بن مالك - رضي الله تعالى عنه- أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- قال : «يبعث الله الناس يوم القيامة فأكون أنا وأمتي على تل ويكسوني ربي حلة خضراء ، ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود » .

وروى الإمام أحمد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- في الآية ، قال : هو المقام الذي أشفع فيه لأمتي .

وروى ابن جرير والطبراني من طرق عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنهما- قال : « المقام المحمود الشفاعة » .

وروى الإمام أحمد والترمذي وحسنه وابن جرير عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- قال : سئل عنها رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فقال : «هي الشفاعة» .

وروى ابن جرير عن مجاهد في الآية قال : المقام المحمود الشفاعة .

وروى مسلم وابن حبان والحاكم وابن جرير عن كعب بن مالك رفعه « أكون أنا وأمتي على تل فيكسوني ربي حلة خضراء ثم يؤذن لي فأقول ما شاء الله أن أقول ، فذلك المقام المحمود » .

وروى البخاري عن ابن عمر - رضي الله تعالى عنهما- قال : «سمع [ ص: 463 ] رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن ، فبينما هم كذلك استغاثوا بآدم فيقول : لست بصاحب ذلك ، ثم موسى فيقول كذلك ، ثم بمحمد فيشفع ، فيقضي الله بين الخلق ، فيمشي حتى يأخذ بحلقة باب الجنة ، فيومئذ يبعثه الله مقاما محمودا يحمده أهل الجمع كلهم .

وقد تقدم في الباب قبله الكلام على الشفاعة العظمى وبقي الكلام على بقية الشفاعات .

فالثانية :

الشفاعة في إدخال قوم الجنة بغير حساب .

ودليله

قوله تعالى في جواب قوله- صلى الله عليه وسلم- أمتي أمتي : أدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن .

قال الحافظ : كذا قيل ، ويظهر إلى أن دليله سؤاله- صلى الله عليه وسلم- الزيادة على السبعين ألفا الذين يدخلون الجنة بغير حساب فأجيب .

وروى الإمام أحمد والبيهقي بسند جيد عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه- عن النبي- صلى الله عليه وسلم- قال : سألت ربي- عز وجل- فوعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا على صورة القمر ليلة البدر لا حساب عليهم؛ فاستزدت ربي فزادني مع كل ألف سبعين ألفا .

وروى الطبراني والبيهقي بسند فيه ضعف عن عمرو بن حزم الأنصاري - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : «إن ربي وعدني أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ، وإني سألت ربي في هذه الثلاثة الأيام المزيد ، فوجدت ربي ماجدا كريما ، فأعطاني مع كل واحدة من السبعين ألفا سبعين ألفا» .

وروى الترمذي وحسنه والطبراني وابن حبان والضياء وصححاه عن أبي أمامة - رضي الله تعالى عنه- قال : سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم- يقول : « وعدني ربي أن يدخل الجنة من أمتي سبعين ألفا لا حساب عليهم ولا عذاب ، مع كل ألف سبعون ألفا وثلاث حثيات من حثيات ربي » .

وروى الطبراني وابن أبي عاصم نحوه عن أبي سعيد الأنماري فحسبنا عند رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فبلغ أربعة آلاف ألف وتسعمائة ألف .

قال الحافظ : يعني من عد الحثيات .

وروى الإمام أحمد وأبو يعلى بسند فيه ضعف عن أبي بكر الصديق - رضي الله تعالى [ ص: 464 ] عنه- نحو حديث أبي هريرة بلفظ : فاستزدته فزادني مع كل واحد سبعين ألفا ، والأحاديث في ذلك شهيرة .

الثالثة :

في أناس حوسبوا واستحقوا العذاب أن لا يعذبوا ، وذلك ما رواه الطبراني وابن أبي الدنيا والحاكم ، وصححه والبيهقي عن ابن عباس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « يوضع للأنبياء منابر من نور يجلسون عليها ، ويبقى منبري لا أجلس عليه أو قال : لا أقعد عليه ، قائم بين يدي ربي منتصبا مخافة أن يبعث بي إلى الجنة وتبقى أمتي بعدي فأقول : يا رب ، أمتي أمتي ، فيقول الله تبارك وتعالى : وما تريد أن أصنع بأمتك ؟ فأقول : يا رب ، عجل حسابهم ، فيدعى بهم ، فيحاسبون ، فمنهم من يدخل الجنة برحمته ، ومنهم من يدخل بشفاعتي ، فما أزال أشفع حتى أعطى صكاكا برجال قد بعث بهم إلى النار حتى إن مالكا خازن النار ليقول : يا محمد ، ما تركت لغضب ربك في أمتك من نقمة .

الرابعة :

في إخراج ناس من المذنبين دخلوا النار ، والأدلة على ذلك كثيرة شهيرة في الصحيحين وغيرهما ، ولا عبرة بإنكار المعتزلة لها .

الخامسة :

في رفع درجات ناس في الجنة ذكرها القاضي والنووي واستدل لها بما رواه مسلم عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « أنا أول شفيع في الجنة » .

السادسة :

في أطفال البشر .

وروى ابن أبي شيبة وأبو يعلى بسند صحيح والدارقطني في الإفراد والضياء عن أنس - رضي الله تعالى عنه- قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « سألت ربي اللاهين من ذرية البشر فأعطانيهم » ،

قال أبو عمر : هم الأطفال؛ لأن أعمالهم كالسهو واللعب من غير تقدم عقد ولا عزم .

وروى أبو نعيم عنه قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- : « سألت ربي أن يتجاوز لي عن أطفال المشركين فتجاوز عنهم وأدخلهم الجنة » . [ ص: 465 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية