سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثالث عشر : في الكلام على قوله تعالى : إنه هو السميع البصير .

السمين : «الصحيح أن الضمير في «إنه» لله تبارك وتعالى» .

الطيبي : «ولا يبعد أن يرجع الضمير إلى العبد ، كما نقله أبو البقاء عن بعضهم ، قال : إنه . [ ص: 21 ]

السميع» ، لكلامنا ، «البصير» لذاتنا . وأما توسط ضمير الفعل فللإشعار باختصاصه بهذه الكرامة وحده ، ولعل السر في مجيء الضمير محتملا للأمرين الإشارة إلى المطلوب وأنه صلى الله عليه وسلم إنما رأى رب العزة وسمع كلامه به» .

الماوردي : «في الحكمة بالإتيان بالسميع والبصير هنا وجهان أحدهما : أنه تعالى وصف نفسه بهما ، وإن كانا من صفاته اللازمة لذاته في الأحوال كلها ، لأنه حفظ لرسوله عند الإسراء به في ظلمة الليل ، فلم يضره ألا يبصر فيها ، وسمع كلامه دعاءه فأجابه إلى ما سأل .

الثاني : أن قومه لما كذبوه حين أخبرهم بإسرائه ، فقال : السميع ، يعني لما يقولونه من تصديق أو تكذيب . البصير ، فيما يفعله من الإسراء والمعراج .

الزمخشري : «إنه هو السميع» لأقوال محمد ، «البصير» بأفعاله ، العالم بتهذبها وخلوصها فيكرمه ويقربه على حسب ذلك .

ولم يتعقب ذلك الطيبي ولا السكوني -بالفتح والضم- في التمييز مع مبالغته في التنكيب والاعتراض عليه . وقال صاحب الكفيل : «ذكر صفتي السمع والبصر تنبيها على أنه علم حيث يجعل رسالاته وكراماته ، والبصير بآياته ، وكما أنه أعلم فهو أسمع وأبصر . والمراد أنه السميع لمن صدق بالإسراء البصير بمن كذب به» ، ثم ذكر كلام الزمخشري السابق ، ثم قال : «وفي كلامه هذا إيماء إلى القول بإيجاب الجزاء وتلويح إلى اعتقاده أن فضائل النبوة مكتسبة ، فاحذر هذه العقيدة . انتهى .

الغزالي رحمه الله : المقصد الأسنى : «السميع هو الذي لا يعزب عن إدراكه مسموع وإن خفي ، فيسمع السر والنجوى ، بل ما هو أدق وأخفى ، ويدرك دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصخرة الصماء ، يسمع بغير أصمخة وآذان ، وسمعه منزه عن أن يتطرق إليه الحدثان . ومهما نزهت السمع عن تغير المسموعات وقدسته عن أن يسمع بأذن وآلة علمت أن السمع في حقه عبارة عن صفة ينكشف بها كمال صفات المسموعات . ومن لم يدقق نظره فيه وقع بالضرورة في بحر التشبيه فخذ حذرك ودقق فيه نظرك» .

وقال أيضا : «البصير هو الذي يشاهد ويرى ولا يعزب عنه ما تحت الثرى ، وإبصاره منزه عن أن يكون بحدقة وأجفان ، مقدس عن أن يرجع عن انطباع الصور والألوان في ذاته تعالى ، كما تنطبع في حدقة الإنسان ، وأن ذلك من التغير والتأثير المقتضي للحدثان . وإذا نزه عن ذلك كان البصر في حقه عبارة عن الصفة التي ينكشف بها كمال نعوت المصنوعات ، والله تعالى أعلم بالصواب» . [ ص: 22 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية