سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الحادي عشر : في الكلام على قوله تعالى : فاستوى ، وهو بالأفق الأعلى : [النجم : 6- 7] .

اللباب : «قال مكي : استوى يقع للواحد وأكثر ما يقع من اثنين ولذلك جعل الفراء الضمير لاثنين» .

الماوردي والقرطبي : «فاستوى» يعني جبريل أي ارتفع وعلا إلى مكانه في السماء ، بعد أن علم محمدا صلى الله عليه وسلم ، قاله ابن المسيب وابن جبير . وقال الإمام : «إنه المشهور» ، وقيل «فاستوى» أي ظهر في صورته التي خلقه الله تعالى عليها ، لأنه كان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم في صورة الآدميين كما كان يأتي إلى الأنبياء ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريه نفسه التي خلقه الله عليها ، فأراه نفسه مرتين : مرة في الأرض ومرة في السماء ، فأما في الأرض ففي الأفق الأعلى ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم بحراء ، فطلع له جبريل من المشرق ، فسد الأرض إلى المغرب ، فخر النبي صلى الله عليه وسلم مغشيا عليه ، فنزل إليه في صورة الآدميين وضمه إلى نفسه وجعل يمسح الغبار عن وجهه ، فلما أفاق النبي صلى الله عليه وسلم قال : «ياجبريل ما ظننت أن الله تعالى خلق أحدا على مثل هذه الصورة» . فقال : يا محمد ، إنما نشرت جناحين من أجنحتي وأن لي ستمائة جناح سعة كل جناح ما بين المشرق والمغرب . فقال : «إن هذا لعظيم» .

فقال له : وما أنا في جنب ما خلقه الله إلا يسيرا ، ولقد خلق الله تعالى إسرافيل له ستمائة جناح ، كل جناح قدر أجنحتي ، وإن . [ ص: 40 ]

ليتضاءل أحيانا - يتضاءل بالضاد المعجمة والهمز- من مخافة الله تعالى حتى يكون بقدر الوصع-
بفتح الواو والصاد وبالعين المهملتين ، يعني العصفور الصغير ، قوله تعالى : ولقد رآه بالأفق المبين [التكوير : 23] .

وأما في السماء فعند سدرة المنتهى ، ولم يره أحد من الأنبياء على تلك الصورة إلا نبينا صلى الله عليه وسلم .

ابن كثير : «وهذه الرؤية لجبريل لم تكن ليلة الإسراء ، بل قبلها ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الأرض في أوائل البعث بعد فترة الوحي» .

اللباب : «في الضمير وجهان : أحدهما : وهو الأظهر أنه مبتدأ ، «وبالأفق» خبره ، والضمير لجبريل أو للنبي صلى الله عليه وسلم . ثم في هذه الجملة وجهان : الأول : أنها حال من فاعل «فاستوى» قاله مكي . قال القرطبي : والمعنى فاستوى جبريل عاليا على صورته ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قبل ذلك رآه عليها حتى سأله إياها على ما ذكرنا» ، انتهى .

«الثاني : أنها مستأنفة ، أخبر الله تعالى بذلك ، ثانيهما : أن «وهو» معطوف على الضمير المستتر في استوى . وضمير استوى إما أن يكون لله تعالى وهو قول الحسن ، أو لجبريل أو لمحمد ، وهذا ضعيف ، لأنه يقال استوى هو وفلان ولا يقال استوى وفلان إلا في ضرورة الشعر ، والصحيح استوى جبريل و جبريل بالأفق الأعلى على صورته الأصلية لأنه كان يتمثل للنبي صلى الله عليه وسلم إذا نزل بالوحي في صورة رجل ، فأحب النبي صلى الله عليه وسلم أن يراه على صورته الحقيقية فاستوى جبريل في أفق المشرق فملأ الأفق» .

وروى الإمام أحمد ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي ، وأبو نعيم عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل في صورته ، له ستمائة جناح ، كل جناح منها قد سد الأفق وتسقط من أجنحته التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم .

وروى الإمام أحمد عن ابن عباس في الآية قال : سأل النبي صلى الله عليه وسلم جبريل أن يراه في صورته ، فقال : ادع ربك ، فدعا ربه عز وجل ، فطلع عليه سواد من قبل المشرق ، فجعل يرتفع وينتشر ، فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم صعق ، فأتاه فقرب منه ومسح الغبار عن وجهه .

المصباح : «الأفق بضمتين الناحية من الأرض ومن السماء والجمع آفاق ، زاد في الصحاح : والأفق بضمة فسكون مثل عسر وعشر» .

الماوردي : «في الأفق الأعلى ثلاثة أقوال : أحدها : مطلع الشمس قاله مجاهد ، الثاني :

هو بالأفق الذي يأتي منه النهار قاله قتادة يعني طلوع الفجر ، الثالث : هو أفق السماء وهو جانب من جوانبها ، قاله ابن زيد ، ومنه قول الشاعر . [ ص: 41 ]


أخذنا بآفاق السماء عليكم لنا قمراها والنجوم الطوالع



التالي السابق


الخدمات العلمية