سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الثالث عشر : في الكلام على قوله تعالى : فكان قاب قوسين أو أدنى [النجم : 9] .

اللباب : «هاهنا مضافان محذوفان نضطر لتقديرهما ، أي فكان مقدار مسافة قربه منه مقدار مسافة قاب» . [ ص: 42 ]

الإمام الرازي : «أي فكان بين جبريل ومحمد صلى الله عليه وسلم مقدار قوسين أو أقل ، فهذا على استعمال العرب وعادتهم ، فإن الأميرين منهم أو الكبيرين إذا اصطلحا وتعاقدا خرجا بقوسيهما ، جعل كل واحد منهما قوسه بطرف قوس صاحبه ، ومن دونهما من الرعية يكون كفه بكف صاحبه فيمدان باعيهما ، لذلك فسمي مبايعة . وعلى هذا ففيه مقدار قوسين أو كان جبريل سفيرا بين حضرة الله تعالى عنه ومحمد صلى الله عليه وسلم فكان كالتبع لمحمد صلى الله عليه وسلم ، فصار كالمبايع الذي يمد الباع لا القوس» .

اللباب : القاب : القدر تقول : هذا قاب هذا ، أي قدره ومثله : القيب والقاد والقيد والقيس .

الجوهري : «وقال بعضهم في الآية أراد قابي قوس فقلبه . وفي الحديث الصحيح : لقاب قوس أحدكم [أو موضع قده] من الجنة خير من الدنيا وما فيها» . والقوس معروفة ، وهي ما يرمى بها وهي مؤنثة وشذوا في تصغيرها ، فقالوا قويس من غير تأنيث ، وإنما ضرب المثل بالقوس لأنها لا تختلف بالقاب وإن لم يجر لها ذكر لعدم اللبس» .

الواحدي : «المراد بالقوس التي يرمى بها عند الجمهور ، قال : وقيل المراد الذراع لأنها يقاس بها» .

القرطبي : «وقال سعيد بن جبير ، وعطاء ، وأبو إسحاق الهمداني ، وأبو وائل شقيق ابن سلمة «فكان قاب قوسين» أي قدر ذراعين ، والقوس الذراع يقاس بها كل شيء ، وهي لغة بعض الحجازيين ، وقيل هي لغة أزد شنوءة أيضا» . قلت : ورواه ابن جرير وابن المنذر عن ابن مسعود أيضا .

قال الحافظ : وينبغي أن يكون هذا القول هو الراجح ، فقد روى الطبراني وابن مردويه والضياء بسند صحيح عن ابن عباس قال : القاب والقيد والقوسان الذراعان .

اللباب : «أو» هنا كهي في قوله تعالى : أو يزيدون لأن المعنى بأحد هذين المقدارين في رأي الرائي أي لتقارب ما بينهما لا يشك الرائي في ذلك . وقال ابن القيم :

«أو» هنا ليست للشك بل لتحقيق قدر المسافة ، وأنها لا تزيد على قوسين البتة ، كما قال تعالى : وأرسلناه إلى مائة ألف أو يزيدون [الصافات : 147] ، تحقيقا لهذا القدر وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف أو يزيدون رجلا واحدا ، ونظيره قوله تعالى : [ ص: 43 ] ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة [البقرة : 74] ، أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة ، بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها . وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل «أو» في هذا الموضع بمعنى بل ، ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرائي ، وقول من جعلها بمعنى الواو فتأمله ، وجزم بذلك ابن كثير .

اللباب : «أدنى أفعل تفضيل ، والمفضل عليه محذوف أو أدنى من قاب قوسين ، فمعنى الآية : ثم دنا جبريل بعد استوائه في الأفق الأعلى من الأرض ، فتدلى ، فنزل إلى محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان قاب قوسين أو أدنى بل أدنى .

التالي السابق


الخدمات العلمية