سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيه : هذا الذي قلناه من المقترب الداني الذي صار بينه وبين محمد صلى الله عليه وسلم قاب قوسين أو أدنى ، إنما هو جبريل ، نقله القاضي عن الجمهور . وقال الحافظ عماد الدين بن كثير : إنه هو الصحيح في التفسير ، كما دل عليه كلام أكابر الصحابة . قال ابن القيم : لأن جبريل هو الموصوف بما ذكر من أول السورة إلى قوله : ولقد رآه نزلة أخرى ، عند سدرة المنتهى [النجم : 13 ، 14] هكذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح لعائشة

قالت عائشة رضي الله عنها : سألت رسول الله عن هذه الآية ، فقال : «ذاك جبريل لم أره في صورته التي خلق عليها إلا مرتين» ،

رواه مسلم ، ولفظ القرآن لا يدل على غير ذلك من وجوه :

الأول : أنه قال : علمه شديد القوى وهذا جبريل الذي وصفه بالقوة في سورة التكوير .

الثاني : أنه قال : ذو مرة [النجم : 6] أي حسن خلق ، وهو الكريم في سورة التكوير .

الثالث : أنه قال : فاستوى وهو بالأفق الأعلى وهي ناحية السماء العليا وهذا استواء جبريل .

الرابع : أنه قال : ثم دنا فتدلى ، فكان قاب قوسين أو أدنى ، فهذا دنو جبريل ، وقد نزل إلى الأرض حيث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بها . وأما الدنو والتدلي في حديث المعراج فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان فوق سبع سموات .

الخامس : أنه قال : ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى . والذي عند السدرة قطعا هو جبريل ، وبهذا فسره النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : «ذاك جبريل » .

السادس : إن الضمير في قوله : «ولقد رآه» ، وقوله : «دنا فتدلى» ، وقوله : «فاستوى» ، وقوله : «وهو بالأفق الأعلى» واحد ، فلا يجوز أن يخالف بين المفسرين من غير دليل .

[ ص: 44 ] السابع : أنه سبحانه وتعالى أخبر أن هذا الذي «دنا فتدلى» كان بالأفق الأعلى ، وهو أفق السماء ، فدنا من الأرض فتدلى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، والدنو والتدلي الذي في حديث شريك غير هذا ، وكذا جزم ابن كثير بأن الدنو والتدلي في حديث شريك غير الذي في الآية .

وروى مسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، في هذه الآية قال : «رأى بفؤاده مرتين» ، فجعل هذا إحداها ، ولهذا مزيد بيان في الباب الثالث .

التالي السابق


الخدمات العلمية