سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : قال الحافظ ابن كثير وابن حجر وغيرهما : جاءت عن ابن عباس أخبار مطلقة [ ص: 63 ] كما تقدم وأخبار مقيدة ، فيجب حمل مطلقها على مقيدها . فمن المقيدة ما رواه مسلم عن أبي العالية في قوله تعالى : ما كذب الفؤاد ما رأى [النجم : 11] ، ولقد رآه نزلة أخرى [النجم : 13] ، قال : «رآه بفؤاده مرتين» . وروى أيضا عن طريق عطاء عنه قال : «رآه بقلبه» . وروى ابن مردويه من طريق عطاء عنه أيضا في الآية قال : «لم يره رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه إنما رآه بقلبه» . وروى النسائي وابن خزيمة عن أبي ذر في الآية قال : «رآه بقلبه ولم يره بعينه» .

وروى ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق موسى بن عبيد عن محمد بن كعب القرظي -بالظاء المعجمة المشالة وبالتحتية-

قال ابن جرير عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، قلنا : يا رسول الله ، هل رأيت ربك؟ قال : لم أره بعيني ، رأيته بفؤادي مرتين»

ثم تلا ثم دنا فتدلى [النجم : 8]
وموسى ضعيف .

الثاني : قال الحافظ : المراد برؤية الفؤاد رؤية القلب ، لا مجرد حصول العلم لأنه صلى الله عليه وسلم كان عالما بالله تعالى على الدوام . بل مراد من أنه أثبت له أنه رآه بقلبه أن الرؤية التي حصلت له خلقت في قلبه كما تخلق الرؤية بالعين لغيره ، زاد صاحب السراج : «بخلاف غيره من الأولياء ، فإنهم إذا أطلقوا الرؤية والمشاهدة لأنفسهم ، فإنهم إنما يريدون «المعرفة» فاعلمه ، فإنه من الأمور المهمة التي يغلط فيها كثير من الناس» . انتهى . والرؤية لا يشترط لها شيء مخصوص عقلا ولو جرت العادة بخلقها في العين . قال الواحدي : «وعلى القول بأنه رآه بقلبه جعل الله تعالى بصره في فؤاده ، أو خلق لفؤاده بصرا حتى رأى ربه رؤية صحيحة كما يرى بالعين» .

الثالث : على هذه الآثار المقيدة عن ابن عباس يمكن الجمع بين إثبات ابن عباس ونفي عائشة ، بأن يحمل نفيها على رؤية البصر وإثباتها على رؤية القلب .

الرابع :

قال ابن كثير : [فأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد : حدثنا أسود بن عامر حدثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما] قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رأيت ربي عز وجل ،

فإنه حديث إسناده صحيح . على شرط الصحيح لكنه مختصر من حديث المنام كما رواه الإمام أحمد عن ابن عباس .

الخامس : قال ابن كثير : من روى عن ابن عباس أنه رآه ببصره فقد أغرب فإنه لا يصح في ذلك شيء عن الصحابة . وقول البغوي : وذهب جماعة إلى أنه رآه بعينه ، وهو قول أنس والحسن وعكرمة فيه نظر . قلت : سبق البغوي إلى ذلك الإمام أبو الحسن الواحدي وقول ابن كثير : إنه لم يصح في ذلك شيء عن الصحابة فليس بجيد ، قال : فقد روى الطبراني بسند صحيح عن ابن عباس إنه كان يقول : نظر محمد إلى ربه مرتين : مرة ببصره ومرة بفؤاده . [ ص: 64 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية