سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع في أي زمان ومكان وقع الإسراء

وفيه فصلان : الأول في مكانه . ففي رواية أنه كان عند البيت كما عند البخاري في باب بدء الخلق وفي باب المعراج في الحطيم ، وربما قال في الحجر ، والشك من قتادة كما بينه الإمام أحمد في روايته عن عفان عن همام ولفظه : «بينا أنا في الحطيم» ، وربما قال قتادة في الحجر . قال الحافظ : والمراد بالحطيم هنا الحجر ، وأبعد من قال : المراد به ما بين الركن والمقام ، أو ما بين زمزم والحجر . قال : وهو إن كان مختلفا في الحطيم بل هو الحجر أم لا فالمراد به هنا بيان البقعة التي وقع ذلك فيها لأنها لم تتعدد لأن القصة متحدة باتحاد مخرجها .

وفي رواية الزهري عن أنس : «فرج سقف بيتي وأنا بمكة » ، وفي رواية الواقدي أنه :

«أسري به من شعب أبي طالب» ، وفي حديث أم هانئ عند الطبراني أنه «بات في بيتها» ، قالت : ففقدته من الليل فقال : إن جبريل أتاني» . قال الحافظ : والجمع بين هذه الأقوال أنه بات في بيت أم هانئ ، وبيتها عند شعب أبي طالب ، ففرج عن سقف بيته ، وأضاف البيت إليه لأنه كان يسكنه ، فنزل منه منزلة المالك ، وأخرجه إلى المسجد ، وكان به أثر النعاس ، ثم أخرجه إلى باب المسجد ، فأركبه البراق . قال : وقد وقع في مرسل الحسن عند ابن إسحاق فأتاه فأخرجه إلى المسجد ، وهو يؤيد هذا الجمع» . انتهى .

وقال بعضهم : ليس بين قوله : «بينا أنا في المسجد الحرام » وبين قوله : «في بيتي» وبين أم هانئ ، تناف لأنه قد يكون المراد بالمسجد الحرام .

الفصل الثاني : في زمانه : الصواب الذي اتفق عليه العلماء : إن الإسراء كان بعد البعثة . أما ما وقع في رواية شريك من قوله : «جاءه ثلاثة نفر قبل أن يوحى إليه» ، وفيه «فكانت تلك الليلة فلم يرهم حتى أتوه ليلة أخرى» ، ولم يعين المدة التي بين المجيئين ، فيحمل على أن المجيء الثاني كان بعد أن أوحي إليه ، وحينئذ وقع الإسراء والمعراج ، وإذا كان بين المجيئين مدة فلا فرق بين أن تكون المدة ليلة واحدة أو ليالي كثيرة أو عدة سنين .

قال ابن كثير : «وهذا الحمل هو الأظهر» ، وجزم به ابن القيم ، وجرى عليه الحافظ ، قال : «وبهذا يرتفع الإشكال عن رواية شريك ، ويحصل به الاتفاق بأن الإسراء كان في اليقظة بعد البعثة وقبل الهجرة ، ويسقط تشنيع الخطابي وابن حزم بأن شريكا خالف الإجماع في دعواه أن المعراج كان قبل البعثة» . قال الحافظ : «وأما ما ذكره بعض الشراح أنه كان بين الليلتين اللتين أتاه فيهما الملائكة سبع وقيل تسع وقيل ثلاثة عشر ، فيحمل على إرادة السنين كما فهمه الشارح المذكور ، وأجاب بعضهم بأن القبلية هنا هي في أمر مخصوص وليست [ ص: 65 ]

مطلقة ، واحتمل أن يكون المعنى قبل أن يوحى إليه في شأن الإسراء والمعراج مثلا ، أي أن ذلك وقع بغتة قبل أن ينذر به . ويؤيده قوله في حديث الزهري : فرج سقف بيتي . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية