سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
التنبيه الرابع والعشرون :

قال أبو الخطاب الكلبي : «الفطرة تطلق على الإسلام وتطلق على أصل الخلقة ، فمن الأول

قوله صلى الله عليه وسلم : «كل مولود يولد على الفطرة» .

ومن الثاني قوله تعالى : فطرت الله التي فطر الناس عليها [الروم : 30] ، وقال تعالى : فاطر السماوات والأرض [فاطر : 1] ، أي مبدئ خلقهما ، وقول جبريل : «اخترت الفطرة» أي اخترت اللبن الذي عليه بنيت الخلقة وبه ينبت اللحم ، أو اخترته لأنه الحلال الدائم في دين الإسلام ، وأما الخمر فحرام فيما يستقر عليه الأمر ، وقد تكون الإشارة بتقديم اللبن إلى أن شعار العلم في التعبير كما ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال : «رأيت كأني أتيت بقدح من لبن فشربت حتى أرى الري يخرج من أظفاري ثم ناولت فضلي عمر بن الخطاب» ، قالوا : يا رسول الله ما أولته؟

قال : «العلم»
.

والإسراء وإن كان يقظة إلا ربما وقعت في اليقظة إشارة إلى حكم الفأل يعبر كما يعبر في المنام . ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل الحسن ، فكأنه لما ملئ قلبه إيمانا وحكمة أردف [ ص: 116 ] ذلك بالعلم مطلقا ، ويجعل الله تعالى ذلك اللبن سببا في ترادف العلم وأشجان القلب النبوي بأنوارها . وقال القرطبي : يحتمل أن يكون تسمية اللبن فطرة لكونه أول شيء يدخل بطن المولود ويشق أمعاءه ، والسر في ميل النبي صلى الله عليه وسلم إليه دون غيره لكونه مألوفا له ، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة ، وافهم قول جبريل «أصبت» ، فإن اختيار الخمر خطأ عصم منه النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانت المسألة حينئذ اجتهادية لأن الخمر لم تكن حرمت بعد ، فقد وقع تخييره في ملك الله الأعظم .

التالي السابق


الخدمات العلمية