سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
التنبيه الثالث والثلاثون :

قول الخازن : «وقد بعث إليه؟» أراد الاستفهام فحذف الهمزة للعلم بها أي : «أوقد بعث إليه؟» قال العلماء : ليس هذا الاستفهام عن البعث الذي هو الرسالة لأنه كان مشهورا في الملكوت الأعلى ، بل البعث للمعراج ، وقيل : بل سألوا تعجبا من [ ص: 120 ] نعمة الله تعالى بذلك أو استبشارا به ، وقد علموا أن بشرا لا يترقى هذا الترقي إلا بإذن الله تعالى وأن جبريل لا يصعد بمن لا يرسل إليه . وقول الخازن : «من معك؟» يشعر أنهم أحسوا معه برفيق وإلا لكان السؤال : «أمعك أحد؟» وذلك الإحساس إما بمشاهدة لكون السماء شفافة ، وإما لأمر معنوي بزيادة أنوار ، ولزم من البعث إليه صلى الله عليه وسلم الإذن في إزالة الموانع وفتح أبواب السماء . ولم يتوقف الخازن على أن يوحى إليه بالفتح ، لأنه لزم عنده من البعث الإذن ، وفي قول الخازن : «مرحبا به» إلى آخره ما يدل على أن الحاشية إذا فهموا من سيدهم عزما لإكرام وافد أن يبشروه بذلك وإن لم يأذن لهم فيه ، ولا يكون في ذلك إفشاء للسر ، لأن الخازن أعلم النبي صلى الله عليه وسلم حال استدعائه أنه استدعاء إكرام وإعظام ، فعجل بالبشرى والفراسة الصادقة عند أهلها وفي محلها يحصل [بها] العلم كما يحصله الوحي ، ولم يخاطبه الخازن بصيغة الخطاب فيقول : «مرحبا بك» وإنما أراد التحية بصيغة الغيبة ، والسر في ذلك أنه حياه قبل أن يفتح الباب وقبل أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم خطاب ، ولهذا قال الملك لجبريل : «ومن معك؟» فخاطبه بصيغة الخطاب ، لأن جبريل خاطب الملك ، فارتفع حكم الغيبة بالتخاطب من الجانبين ، ويجوز أن يكون حياه بغير صيغة الخطاب تعظيما له لأن هاء الغيبة ربما كانت أفخم من كاف الخطاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية