التنبيه الحادي والسبعون : 
قوله 
nindex.php?page=hadith&LINKID=883865«فغفر لي ما تقدم من ذنبي وما تأخر» ، 
قال شيخ الإسلام 
تقي الدين السبكي  رحمه الله : «المراد تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الأمر ، أي لو كان له ذنوب لغفرت ولم يكن له ذنب البتة» . وحكى 
الشيخ  رحمه الله في كتابه المحرر ، في الكلام على هذه الآية اثني عشر قولا ، ونقل عن 
السبكي  فساد خمسة منها وبين الشيخ فساد الباقي ، ثم قال : «أما الأقوال المقبولة ففي الشفا 
للقاضي  قيل إن النبي صلى الله عليه وسلم لما أمر أن يقول : 
وما أدري ما يفعل بي ولا بكم  [الأحقاف : 9] سر بذلك الكفار فأنزل الله تعالى : 
ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر  [الفتح : 2] وأخبر بمآل المؤمنين في الآية الأخرى بعدها ، فمقصد الآية أنك مغفور لك غير مؤاخذ بذنب وهذا الأثر رواه 
 nindex.php?page=showalam&ids=12918ابن المنذر  في تفسيره عن 
 nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس  رضي الله عنهما ، بدون قوله وأخبر بمآل المؤمنين إلى آخره ، وروى 
 nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد   nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي   nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم  نحوه . 
قال 
القاضي :  قال بعضهم : المغفرة هنا تنزيه من العيوب ، وقال بعض المحققين : 
المغفرة هنا كناية عن العصمة أي فعصمت فيما تقدم من عمري وفيما تأخر منه ، وهذا القول في غاية الحسن . وقد عد البلغاء من أساليب البلاغة في القرآن أنه يكني عن التخفيفات بلفظ المغفرة والعفو والتوبة ، كقوله عند نسخ قيام الليل : 
علم أن لن تحصوه فتاب عليكم  [المزمل : 20] وعند نسخ تقديم الصدقة بين يدي النجوى 
فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم  [المجادلة : 13] وعند نسخ تحريم الجماع ليلة الصيام : 
فتاب عليكم وعفا عنكم فالآن باشروهن  [البقرة : 187] . 
ثم نقل عن 
السبكي  أنه قال : «قد تأملت هذه الآية بذهني مع ما قبلها وما بعدها فوجدتها لا تحتمل إلا وجها واحدا وهو تشريف النبي صلى الله عليه وسلم ، من غير أن يكون هناك ذنب ، ولكنه أريد أن تستوعب في الآية جميع أنواع النعم من الله تعالى على عباده . وجميع النعم الأخروية شيئان : سلبية وهي غفران الذنوب ، وثبوتية وهي لا تتناهى وقد أشار إليها بقوله : 
ويتم نعمته عليك  [يوسف : 6] وجميع النعم الدنيوية شيئان : دينية أشار إليها بقوله .  
[ ص: 141 ] ويهديك صراطا مستقيما  [الفتح : 2] ودنيوية وإن كان المقصود بها الدين وهي قوله تعالى : 
وينصرك الله نصرا عزيزا  [الفتح : 3] وقدم الأخروية على الدنيوية تقديما للأهم ، فانتظم بذلك 
تعظيم قدر النبي صلى الله عليه وسلم بإتمام أنواع نعم الله تعالى المتفرقة في غيره» . 
وبعد أن وقفت على هذا المعنى رأيت 
ابن عطية  قد وقع عليه فقال : «وإنما المعنى تشريف النبي صلى الله عليه وسلم بهذا الحكم ، ولم تكن ذنوبا البتة» ، وقد وفق فيما قاله .