سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : ذكر بعضهم أن المعروف في رواية المواقيت عند البيت- وروي عند باب البيت- وقد علمت أنها رواية الشافعي والطحاوي والبيهقي .

الثاني : المشهور في الأحاديث السابقة الابتداء بالظهر . روى ابن أبي خيثمة في تاريخه عن أحمد بن محمد ، حدثنا إبراهيم بن سعد عن أبي إسحاق عن عتبة بن مسلم عن نافع بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : «لما فرضت الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل فصلى به الصبح حين طلع الفجر» ، وذكر الحديث . وكذا وقع في رواية الدارقطني وابن حبان في الضعفاء من طريق محبوب بن جهم ، وهو ضعيف ،

وفي رواية أبي هريرة عند النسائي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذا جبريل جاءكم يعلمكم دينكم» ،

فصلى الصبح حين طلع الفجر .

الثالث : قال أبو عمر : لم أجد قوله «هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك» ، إلا في هذا الحديث ، يعني رواية ابن عباس ، قلت : قال القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله : ظاهره يوهم أن هذه الصلوات في هذه الأوقات مشروعة لمن قبله من الأنبياء ، وليس كذلك ، إنما معناه :

هذا وقتك المشروع لك ، يعني الوقت الموسع المحدود بطرفين : الأول والآخر ، ووقت الأنبياء قبلك ، يعني مثله وقت الأنبياء قبلك أي صلاتهم كانت واسعة الوقت وذات طرفين مثل هذا . وإلا فلم تكن هذه الصلوات على هذا الميقات إلا لهذه الأمة خاصة وإن كان غيرهم قد يشاركهم في بعضها .

وقد روى أبو داود في حديث العشاء : «أعتموا بهذه الصلاة فإنكم قد فضلتم بها على سائر الأمم ولم تصلها أمة قبلكم» وكذا قال أبو الفتح : «يريد بها التوسعة عليهم في أن للوقت أولا وآخرا إلا أن الأوقات هي أوقاتهم بعينها» . [ ص: 179 ]

الرابع : استشكل بعضهم لفظ «عند البيت» بأنه صلى الله عليه وسلم كان يستقبل بيت المقدس قبل الهجرة . قلت : ولا إشكال في ذلك لاحتمال أنه صلى الله عليه وسلم جعل البيت بينه وبين بيت المقدس ، وكذلك رواية : «عند الباب» لا إشكال فيها ، إذ لا يلزم في كون الصلاة عند الباب أن تكون الصلاة إليه .

الخامس : قال ابن المنير : «لما أمر الله سبحانه وتعالى جبريل أن يعلم النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة ، كانت هذه فرضا عليه لأنه أمر بذلك ، فكانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم صلاة مفترض خلف مفترض» .

السادس : قال الحربي : «أول ما فرضت الصلاة عليه : ركعتين أول النهار وركعتين آخره بسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : «فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة ركعتين ركعتين ثم زاد فيها في الحضر» . قال أبو عمر : «ليس في حديث عائشة دليل على صحة ما ذهب إليه الحربي ، ولا يوجد هذا في أثر صحيح ، بل فيه دليل على أن الصلاة التي فرضت ركعتين ركعتين هي الصلوات الخمس لأن الإشارة بالألف واللام في «الصلاة» إشارة إلى المعهود» .

قال الحافظ : «الذي يظهر وبه تجمع الأدلة أن الصلاة فرضت ليلة الإسراء ركعتين ركعتين إلا المغرب ، ثم زيدت عقب الهجرة إلا الصبح كما روى ابن خزيمة وابن حبان والبيهقي من طريق الشعبي عن مسروق عن عائشة رضي الله عنها قالت : «فرضت صلاة السفر والحضر ركعتين ركعتين ، فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة واطمأن ، زيد في صلاة الحضر ركعتان وتركت صلاة الفجر لطول القراءة وصلاة المغرب لأنها وتر» . انتهى .

ثم بعد أن استقر فرض الرباعية خفف منها في السفر عند نزول الآية وهي قوله تعالى :

وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا إن الكافرين كانوا لكم عدوا مبينا [النساء : 101] قال ويؤيد ذلك ما ذكره ابن الأثير في شرح مسند الشافعي : أن قصر الصلاة كان في ربيع الأول من السنة الثانية ، وهو مأخوذ مما ذكره غيره أن نزول آية الخوف كان فيها . وقيل قصر الصلاة كان في ربيع الأول من السنة الأولى ذكره الدولابي وأورده السهيلي بلفظ بعد الهجرة بعام أو بنحوه ، وقيل بعد الهجرة بأربعين يوما . فعلى هذا فالمراد بقول عائشة : فأقرت صلاة السفر باعتبار ما آل إليه الأمر من التخفيف لأنها استمرت منذ فرضت فلا يلزم من ذلك أن القصر عزيمة .

السابع : قال السهيلي : هل هذه الزيادة في الصلاة نسخ أم لا؟ فيقال : أما زيادة ركعتين أو ركعة إلى ما قبلها من الركوع حتى تكون صلاة واحدة فنسخ ، لأن النسخ رفع الحكم ، وقد [ ص: 180 ]

ارتفع حكم الإجزاء من الركعتين وصار من سلم فيها عامدا مفسدا لها ، وإن أراد أن يتم صلاته بعد ما سلم عامدا لم يجزه إلا أن يستأنف الصلاة من أولها ، فقد ارتفع حكم الإجزاء بالنسخ ، وأما الزيادة في عدد الصلوات حتى المكث خمسا بعد ما كانت اثنتين فسميت نسخا عند أبي حنيفة ، قال الزيادة عنده نسخ ، وجمهور المتكلمين على أنه ليس بنسخ ، ولاحتجاج الفريقين موضع غير هذا .

الثامن : في بيان غريب ما سبق :

«زوال الشمس» : عبارة عن ميلها من جانب الشمال إلى جانب اليمين إذا استقبلت القبلة .

«الشراك» : أحد سيور النعل التي على وجهها وقدره هنا ليس على معنى التحديد . [ ص: 181 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية