سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الرابع في هجرة رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة وما وقع في ذلك من الآيات

قال الله تعالى : وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا [الإسراء 80] . روى الإمام أحمد والترمذي والحاكم والضياء وصححوه عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة فأمر بالهجرة من مكة وأنزل عليه وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق [الإسراء 80] الهجرة إلى المدينة واجعل لي من لدنك سلطانا نصيرا : كتاب الله عز وجل ، وفرائضه وحدوده .

وروى الحاكم وصححه عن قتادة في الآية قال : أدخلني مدخل صدق يعني المدينة وأخرجني مخرج صدق يعني مكة . وروى الزبير بن بكار عن زيد بن أسلم في الآية قال :

جعل الله تعالى مدخل صدق المدينة ومخرج صدق مكة ، وسلطانا نصيرا الأنصار .

قال ابن سعد : «إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج من بيته أتى بيت أبي بكر بمكة فكان فيه إلى الليل ، ثم خرج هو وأبو بكر فمضيا إلى غار ثور فدخلاه» .

وروى موسى بن عقبة وابن إسحاق والإمام أحمد والبخاري وابن حبان عن عائشة رضي الله عنها ، وابن إسحاق والطبراني عن أختها أسماء رضي الله عنها أن أبا بكر رضي الله عنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخروج قبل المدينة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «على رسلك فإني أرجو أن يؤذن لي» . فقال أبو بكر :

وهل ترجو ذلك بأبي وأمي أنت؟ قال : «نعم» .

فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصحبه وعلف راحلتين كانتا عنده ورق السمر ، وهو الخبط أربعة أشهر .


[قال ابن شهاب : أخبرني عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت : ] «لم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار بكرة وعشية» . قالت : «فبينما نحن يوما جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقنعا في ساعة لم يكن يأتينا فيها» . فقال أبو بكر : «فداء له أبي وأمي ، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر» .

قالت : «فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له فدخل ، فتأخر له أبو بكر عن سريره فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم» . فقال أبو بكر : «يا رسول الله ما جاء بك إلا أمر حدث» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 239 ] لأبي بكر : «أخرج من عندك» . فقال أبو بكر : لا عين عليك إنما هما ابنتاي ، وفي لفظ : أهلك .

قال : «إن الله قد أذن لي في الخروج والهجرة» . فقال أبو بكر : «الصحبة يا رسول الله» . قال :

«نعم» . قالت عائشة : «فوالله ما أن أحدا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ» .

قال أبو بكر : «يا رسول الله خذ إحدى راحلتي هاتين» . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «بالثمن ، لا أركب بعيرا ليس هو لي» . قال : فهو لك . قال : «لا ولكن بالثمن الذي ابتعتها به» . قال «أخذتها بكذا وكذا» . قال «أخذتها بذلك» . قال : هي لك .
وعند البخاري في غزوة الرجيع أنها الجدعاء ، وأفاد الواقدي أن الثمن ثمانمائة . واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا- والخريت الماهر بالهداية- قد غمس حلفا في آل العاص بن وائل السهمي وهو على دين كفار قريش- وأسلم بعد ذلك- فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث .

قالت عائشة : فجهزناهما أحث الجهاز وصنعنا لهما سفرة في جراب . وأفاد الواقدي أنه كان في السفرة شاة مطبوخة . قالت عائشة : فشقت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها- وفي لفظ قطعت نطاقها قطعتين فأوكت بقطعة منه الجراب وشدت فم القربة بالباقي فسميت ذات النطاق وفي لفظ النطاقين .

وعند البلاذري إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إن لها نطاقين في الجنة»

فسميت ذات النطاقين .

قال ابن إسحاق : وأعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا بخروجه وأمره أن يتخلف بعده بمكة حتى يؤدي عنه الودائع التي كانت عنده للناس وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس بمكة أحد عنده شيء يخشى عليه إلا وضعه عنده لما يعلم من صدقه وأمانته» . قالت عائشة : «ولحق رسول الله صلى الله عليه وسلم بغار في جبل ثور» . وفي حديث عمر عند البيهقي أنهما خرجا ليلا . وذكر ابن إسحاق والواقدي أنهما خرجا من خوخة في ظهر بيت أبي بكر .

وروى أبو نعيم عن عائشة بنت قدامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «لقد خرجت من الخوخة متنكرا فكان أول من لقيني أبو جهل فأعمى الله عز وجل بصره عني وعن أبي بكر حتى مضينا» .

قالت أسماء : «وخرج أبو بكر بماله خمسة آلاف درهم» . قال البلاذري : «وكان مال أبي بكر يوم أسلم أربعين ألف درهم ، فخرج إلى المدينة للهجرة وماله خمسة آلاف أو أربعة ، فبعث ابنة عبد الله فحملها إلى الغار» .

قالت : «فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره فقال : «والله إني لأراه قد فجعكم بماله مع نفسه» . قالت : «قلت : كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا» . قالت : «فأخذت أحجارا فوضعتها في كوة في البيت ، كان أبي يضع ماله فيها ، ثم وضعت عليها ثوبا ، ثم أخذت بيده [ ص: 240 ] فقلت : يا أبت ضع يدك على هذا المال . قالت : فوضع يده عليه . فقال : لا بأس إن كان ترك لكم هذا فقد أحسن ، وفي هذا بلاغ لكم . ولا والله ما ترك لنا شيئا ولكن أردت أن أسكن الشيخ بذلك» .

وفي حديث عند البيهقي أن أبا بكر رضي الله عنه لما خرج هو ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار ، جعل أبو بكر يمشي مرة أمام النبي صلى الله عليه وسلم ، ومرة خلفه ومرة عن يمينه ومرة عن شماله ، فسأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك ، فقال : «يا رسول الله أذكر الرصد فأكون أمامك وأذكر الطلب فأكون خلفك ، ومرة عن يمينك ومرة عن يسارك لآمن عليك ، فلما انتهينا إلى فم الغار قال أبو بكر : والذي بعثك بالحق لا تدخله حتى أدخله قبلك ، فإن كان فيه شيء نزل بي قبلك» .

فدخله فجعل يلتمس بيده ، فجعل كلما دخل جحرا قام إلى ثوبه فشقه ثم ألقمه الجحر حتى فعل ذلك بثوبه أجمع : فبقي جحر» فوضع عقبيه عليه ، ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعلت الحيات يلسعن أبا بكر رضي الله عنه وجعلت دموعه تنحدر .

وروى ابن أبي شيبة وابن المنذر عن أبي بكر أنهما لما انتهيا إلى الغار إذا جحر فألقمه أبو بكر رجليه . قال : «يا رسول الله إن كان لدغة أو لسعة كانت بي» . وروى ابن مردويه عن جندب بن سفيان قال : «لما انطلق أبو بكر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار قال أبو بكر : يا رسول الله لا تدخل الغار حتى أستبرئه . فدخل أبو بكر الغار فأصاب يده شيء فجعل يمسح الدم عن إصبعه ويقول


هل أنت إلا أصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت

وفي حديث أنس عند أبي نعيم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أصبح قال لأبي بكر «أين ثوبك»؟ فأخبره بالذي صنع فرفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه فقال : «اللهم اجعل أبا بكر معي في درجتي في الجنة» . فأوحى الله إليه : «قد استجاب الله تعالى لك» .

وروى ابن سعد وأبو نعيم والبيهقي وابن عساكر عن أبي مصعب المكي قال : «أدركت أنس بن مالك ، وزيد بن أرقم ، والمغيرة بن شعبة يتحدثون إن النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الغار أمر شجرة- وفي رواية عند قاسم بن ثابت : أنبت الله شجرة الراءة ، فنبتت في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسترته ، وبعث الله العنكبوت فنسجت ما بينهما فسترت وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأمر الله حمامتين وحشيتين فوقفتا في فم الغار ، وأقبل فتيان قريش من كل بطن بعصيهم وهراويهم وسيوفهم ، حتى إذا كانوا من النبي صلى الله عليه وسلم على أربعين ذراعا ، جعل بعضهم ينظر في الغار فلم ير إلا حمامتين وحشيتين بفم الغار ، فرجع إلى أصحابه ، فقالوا له : ما لك؟ قال : رأيت حمامتين وحشيتين فعرفت أنه ليس فيه [ ص: 241 ] أحد ، فسمع النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ، فعرف أن الله قد درأ عنه بهما فبارك عليهما النبي صلى الله عليه وسلم وفرض جزاءهن وانحدرتا في الحرم فأفرخ ذلك الزوج كل شيء في الحرم . وروى الإمام أحمد بسند حسن عن ابن عباس رضي الله عنهما ، أن المشركين قصوا أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم ، فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت ، فمكث فيه ثلاثة أيام .

وروى الحافظ أبو بكر أحمد بن سعيد القاضي شيخ النسائي في مسند الصديق عن الحسن البصري قال : «جاءت قريش يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم ، وكانوا إذا رأوا على باب الغار نسج العنكبوت قالوا : لم يدخله أحد . وكان النبي صلى الله عليه وسلم قائما يصلي وأبو بكر يرتقب .

فقال أبو بكر : يا رسول الله هؤلاء قومك يطلبونك ، أما والله ما على نفسي أبكي ولكن مخافة أن أرى فيك ما أكره . فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : «لا تخف إن الله معنا»


وروى الإمام أحمد والشيخان عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه قال : «قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ونحن في الغار : لو أن أحدهم نظر إلى قدمه لأبصرنا تحت قدميه» فقال : «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» .

وروى أبو نعيم في الحلية عن عطاء بن ميسرة قال : «نسجت العنكبوت مرتين مرة على داود حين كان طالوت يطلبه ومرة على النبي صلى الله عليه وسلم في الغار» .

وذكر البلاذري في تاريخه وأبو سعيد في الشرف أن المشركين استأجروا رجلا يقال له علقمة بن كرز بن هلال الخزاعي- وأسلم عام الفتح- فقفا لهم الأثر حتى انتهى إلى غار ثور وهو بأسفل مكة فقال : ههنا انقطع أثره ولا أدري أخذ يمينا أم شمالا أم صعد الجبل . فلما انتهوا إلى فم الغار قال أمية بن خلف : ما أربكم في الغار؟ إن عليه لعنكبوتا كان قبل ميلاد محمد . ثم جاء فبال .

وروى البيهقي عن عروة أن المشركين لما فقدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في كل وجه يطلبونه وبعثوا إلى أهل المياه يأمرونهم به ويجعلون لهم الجعل العظيم وأتوا على ثور الجبل الذي فيه الغار الذي فيه النبي صلى الله عليه وسلم حتى طلعوا فوقه ، وسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر أصواتهم ، فأشفق أبو بكر وبكى وأقبل عليه الهم والحزن والخوف ، فعند ذلك

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تحزن إن الله معنا
[التوبة- 40]

ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت السكينة من الله [ ص: 242 ] تعالى . وروى ابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي وابن عساكر عن ابن عباس في قوله تعالى : فأنزل الله سكينته عليه ، قال : على أبي بكر لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم تزل السكينة معه [التوبة- 40] .

وروى أبو نعيم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن أبا بكر رأى رجلا مواجها الغار فقال : «يا رسول الله إنه يرانا» . «قال : كلا إن الملائكة تستره الآن بأجنحتها» . فلم ينشب أن قعد يبول مستقبلنا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «يا أبا بكر لو كان يراك ما فعل هذا» .

ويرحم الله الشرف البوصيري حيث قال :


ويح قوم جفوا نبيا بأرض     ألفته ضبابها والظباء
وسلوه وحن جذع إليه     وقلوه ورده الغرباء
أخرجوه منها وآواه غار     وحمته حمامة ورقاء
وكفته بنسجها عنكبوت     ما كفته الحمامة الحصداء

وحيث قال :


أقسمت بالقمر المنشق أن له     من قلبه نسبة مبرورة القسم
وما حوى الغار من خير ومن كرم     وكل طرف من الكفار عنه عم
فالصدق في الغار والصديق لم يردا     وهم يقولون ما بالغار من أرم
ظنوا الحمام وظنوا العنكبوت على     خير البرية لم تنسج ولم تحم
وقاية الله أغنت عن مضاعفة     من الدروع وعن عال من الأطم

لطيفة : سئل بعضهم عن الحكمة في اختفائه صلى الله عليه وسلم في غار ثور دون غيره فأجيب بأنه صلى الله عليه وسلم كان يحب الفأل الحسن ، وقد قيل إن الأرض مستقرة على قرن الثور فناسب استقراره صلى الله عليه وسلم في غار ثور تفاؤلا بالطمأنينة والاستقرار فيما يقصده هو ورفيقه .

وروى ابن عدي وابن عساكر عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لحسان : «هل قلت في أبي بكر شيئا»؟ قال : نعم . قال : «قل وأنا أسمع» ، فقال :


والثاني اثنين في الغار المنيف وقد     طاف العدو به إذ صعد الجبلا
وكان حب رسول الله قد علموا     من البرية لم يعدل به رجلا

فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قال : «صدقت يا حسان هو كما قلت .
[ ص: 243 ]

قالت عائشة رضي الله عنها : «فكمنا في الغار ثلاث ليال وكان عبد الله بن أبي بكر يبيت عندهما ، وهو غلام ثقف لقن ، فيدلج من عندهما بسحر فيصبح مع قريش [بمكة كبائت] ، فلا يسمع بأمر يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام . وعند ابن إسحاق أن أسماء بنت أبي بكر كانت تأتيهما إذا أمست بما يصلحهما من الطعام . وكان عامر بن فهيرة يرعى غنما لأبي بكر في رعيان أهل مكة فإذا أمسى يريحهما عليهما حين تذهب ساعة من العشاء ، فيبيتان في رسل وهو لبن منحتهما ورضيفهما [حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس] ، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث .

فلما مضت الثلاث وسكن عنهما الناس أتاهما صاحبهما الذي استأجراه فركبا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي . وأردف أبو بكر عامر بن فهيرة مولاه ليخدمهما في الطريق- وعند البخاري في غزوة الرجيع كان عامر بن فهيرة غلاما لعبد الله بن الطفيل بن سخبرة أخو عائشة لأمها- وأخذ بهما الدليل طريق الساحل أسفل من عسفان ثم أجاز بهما حتى عادا من الطريق على أمج .

وروى أبو نعيم من طريق إبراهيم بن سعد عن محمد بن إسحاق قال : «بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما خرج مهاجرا قال : «الحمد لله الذي خلقني ولم أك شيئا ، اللهم أعني على هول الدنيا وبوائق الدهر ومصائب الليالي والأيام ، اللهم اصحبني في سفري واخلفني في أهلي وبارك لي فيما رزقتني ، ولك فذللني ، وعلى صالح خلقي فقومني ، وإلى ربي فحببني ، وإلى الناس فلا تكلني ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، أعوذ بوجهك الكريم الذي أشرقت له السموات والأرض فكشفت به الظلمات وصلح عليه أمر الأولين والآخرين ، أن يحل بي غضبك أو ينزل علي سخطك ، أعوذ بك من زوال نعمتك وفجاءة نقمتك وتحول عاقبتك وجميع سخطك ، لك العتبى خير ما استطعت ، ولا حول ولا قوة إلا بك» .

وروى الإمام أحمد والشيخان ويعقوب بن سفيان عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن أباه قال لأبي بكر رضي الله عنه : كيف صنعتما ليلة سريت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال : خرجنا [ ص: 244 ] فأدلجنا فأحيينا يومنا وليلتنا حتى أظهرنا وقام قائم الظهيرة فضربت ببصري هل أرى ظلا نأوي إليه فإذا أنا بصخرة فأهويت إليها فإذا بقية ظلها فسويته لرسول الله صلى الله عليه وسلم وفرشت له فروة ثم قلت : اضطجع يا رسول الله وأنا أنفض لك ما حولك ، ثم خرجت هل أرى أحدا من الطلب فإذا براع مقبل بغنمه يريد من الصخرة ما أردنا : فلقيته فقلت له : لمن أنت يا غلام؟ فقال :

لرجل من أهل مكة ، فسماه فعرفته فقلت : هل في غنمك من لبن؟ قال : نعم . قلت : هل أنت حالب لي؟ قال : نعم . فأمرته فاعتقل شاة منها . فقلت : انفض الضرع من التراب والقذى ، فحلب لي في قعب معه كثبة من لبن ومعه إداوة أرتوي فيها للنبي صلى الله عليه وسلم يشرب منها ويتوضأ ، على فمها خرقة ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، وكرهت أن أوقظه من نومه ، فوقفت حتى استيقظ ، فصببت على اللبن من الماء حتى برد أسفله ،

فقلت : يا رسول الله اشرب من هذا اللبن . فشرب حتى رضيت . ثم قال : «ألم يأن الرحيل؟» قلت : بلى . قال : فارتحلنا بعد ما زالت الشمس .


التالي السابق


الخدمات العلمية