سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : اختلف في اسم أبي اليتيمين اللذين كان المسجد لهما ، فقال [موسى بن عقبة :

هما ابنا رافع بن عمرو بن أبي عمرو] ، وقال الزهري وابن إسحاق : هما ابنا عمرو . قال في "العيون" : إنه الأشهر . وحاول السهيلي التوفيق بين القولين فقال : "هما ابنا رافع بن عمرو" ، فعلى هذا نسبا إلى جدهما . قال الحافظ : "والأرجح هو قول الزهري وابن إسحاق" .

الثاني : ذكر ابن إسحاق أنهما كانا في حجر معاذ بن عفراء ، وقال أبو ذر الهروي أحد رواة الصحيح : أسعد بن زرارة بإثبات الألف في أسعد . قال الحافظ والسيد : "وهو الوجه" .

وقال ابن زبالة ويحيى أنهما كانا في حجر أبي أيوب ، وقد يجمع باشتراك من ذكر في كونهما في حجورهم ، وبانتقال ذلك بعد أسعد بن زرارة إلى من ذكر واحدا بعد واحد ، سيما وقد روى محمد بن الحسن المخزومي عن ابن أبي فديك قال : "سمعت بعض أهل العلم يقولون إن أسعد توفي قبل أن يبني رسول الله المسجد ، فباعه رسول الله من سهل وسهيل" .

الثالث :

في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- أرسل إلى ملأ بني النجار بسبب موضع المسجد ، فقال : "يا بني النجار ثامنوني بحائطكم هذا" ، فقالوا : "والله لا نطلب ثمنه إلا من الله" .

وفي رواية : "فدعا بالغلامين فساومهما بالمربد يتخذه مسجدا" . ووقع في رواية ابن [ ص: 344 ]

عيينة :
"فكلم عمهما ، أي الذي كانا في حجره ، أن يبتاعه منهما" ، فقال : "ما تصنع به" ؟ فلم يجد بدا من أن يصدقهما ، فأخبرهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أراده ، فقالا : "نحن نعطيه" ، فأعطياه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبناه . أخرجه الجندي .

وذكر ابن زبالة ، ويحيى ، أن أبا أيوب قال : يا رسول الله أنا أرضيهما . وذكر ابن عقبة أن أسعد عوضهما عنه نخلا ، قال : وقيل : ابتاعه منهما رسول الله صلى الله عليه وسلم . وطريق الجمع بين ذلك كما أشار إليه الحافظ أنهم لما قالوا : "لا نطلب ثمنه إلا من الله" سأل عمن يختص بملكه منهم ، فعينوا الغلامين ، فابتاعه منهما أو من وليهما إن كانا غير بالغين ، وحينئذ فيحتمل أن الذين قالوا : "لا نطلب ثمنه إلا من الله تحملوا عنه للغلامين بالثمن . فقد نقل ابن عقبة أن أسعد بن زرارة عوض الغلامين عنه نخلا له في بياضة . وتقدم أن أبا أيوب قال : أنا أرضيهما ، فأرضاهما ، وكذلك معاذ بن عفراء ، فيكون بعد الشراء . ويحتمل أن كلا من أسعد ، وأبي أيوب وابن عفراء أرضى اليتيمين بشيء ، فنسب ذلك لكل منهم .

وقد روي أن اليتيمين امتنعا من قبول عوض ، فيحتمل ذلك على بدء الأمر ، ولكن قال الواقدي : أنه صلى الله عليه وسلم اشتراه من بني عفراء بعشرة دنانير ذهبا دفعها أبو بكر الصديق رضي الله عنه ، فلعله رغب في الخير ، فدفع العشرة مع أولئك ، أو أنه صلى الله عليه وسلم أخذ أولا بعض المربد في بنائه الأول سنة قدومه ، ثم أخذ بعضا آخر لما سبق أنه بناه مرتين وزاد فيه ، فكان الثمن من مال أبي بكر في إحداهما ، ومن الآخرين في الأخرى .

الرابع : ذكر السيد أن قول النبي صلى الله عليه وسلم لعمار : "تقتلك الفئة الباغية" . كان في البناء الثاني ، لأن البيهقي روى في "الدلائل" عن أبي عبد الرحمن السلمي أنه سمع عبد الله بن عمرو بن العاص يقول لأبيه عمرو : "قد قتلنا هذا الرجل ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ما قال" .

قال : "أي رجل" ؟ قال : "عمار بن ياسر ، أما تذكر يوم بنى رسول الله صلى الله عليه وسلم المسجد ، وكنا نحمل لبنة لبنة ، وعمار يحمل لبنتين لبنتين ، ؟ فمر على رسول الله صلى الله عليه وسلم [فقال "تحمل لبنتين لبنتين وأنت ترحض؟ أما إنك ستقتلك الفئة الباغية ، وأنت من أهل الجنة" . فدخل عمرو بن العاص على معاوية : فقال : "قتلنا هذا الرجل ، وقد قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال" فقال معاوية :

"اسكت ، فوالله ما تزال تدحض في بولك ، أنحن قتلناه؟ إنما قتله علي وأصحابه ، جاءوا به حتى ألقوه بيننا . قال السمهودي] : "وهو يقتضي أن هذا القول لعمار كان في البناء الثاني للمسجد ، لأن إسلام عمرو بن العاص كان في السنة الخامسة للهجرة" . [ ص: 345 ]

الخامس : في بيان غريب ما سبق :

"المربد" - بكسر الميم- الموضع الذي يجعل فيه التمر .

"الملأ" - بفتح الميم واللام- : أشراف الناس ورؤساؤهم ومقدموهم الذين يرجع إلى قولهم .

"النجار" : بالنون والجيم .

"ثامنوني" : أي بايعوني وقاولوني .

"الحائط" هنا : البستان ، وتقدم أنه كان مربدا ، فلعله كان أولا حائطا ثم خرب فصار مربدا ، ويؤيده قوله : ليتخذ مسجدا .

"النوار" : بفتح النون وتشديد الواو ، بعد الألف راء .

"عايذ" : بالمثناة التحتية والذال المعجمة .

"الجدار" ككتاب : الحائط .

"الغرقد" بالغين المعجمة والراء والقاف والدال المهملة : ضرب من شجر العضاه ، واحده غرقدة .

"خرب" بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء وبالموحدة : [جمع خربة وهي الموضع الخراب] ، وفي لفظ بالحاء المهملة وسكون الراء والمثلثة : [حرث] .

"العريش" : السقف وما يستظل به ، وهو المراد هنا .

"ثمامات" : جمع ثمام بضم المثلثة : نبت ضعيف له خوص أو شبيه بالخوص ، وربما حشي به أو سد به خصاص البيوت ، الواحدة ثمامة .

"العضادتان" : تثنية عضادة- بكسر العين المهملة والضاد المعجمة وبعد الألف دال مهملة- : جانب الباب .

"طفق" : جعل .

"الحمال" : بكسر الحاء المهملة : من الحمل ، والذي يحمل من خيبر : التمر . أي أن هذا [ ص: 346 ] في الآخرة أفضل من ذاك وأحمد عاقبة ، كأنه جمع حمل أو حمل ، ويجوز أن يكون مصدر حمل أو حامل .

"خيبر" : يأتي الكلام عليها في غزوتها .

"أرديتهم" : جمع رداء .

"متنطعا" - بميم مضمومة فمثناة فوقية فنون مفتوحتين فطاء مهملة مكسورة فعين مهملة : من تنطع إذا تعمق وتغالى وتأنق .

"الوفرة" : بواو مفتوحة ففاء فراء : الشعر المجتمع على الرأس ، أو ما مال على الأذنين منه ، أو ما جاوز شحمة الأذنين ، ثم الجمة ، ثم اللمة .

"ويح" : كلمة ترحم وتوجع ، يقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها ، وقد يقال بمعنى المدح والتعجب ، وهي منصوبة على المصدر .

"الحبحبة" : بحاءين مهملتين بعد كل موحدة ، وهي في الأصل جري الماء قليلا قليلا كالحبحب ، والحبحبة : الضعف ، وسوق الإبل ، ومن النار اتقادها ، والبطيخ الشامي الذي يسميه أهل العراق الرقي ، والفرس تسميه الهندي .

"بالسميط" : أي على لبنة واحدة ، والسميط من النعل : الطاق الواحد لا رقعة فيها .

"السواري" : جمع سارية ، وهي الأسطوانة .

"السعد" : ثلث اللبنة ، والسعيد كزبير : ربعها .

"وكف" : سال ماؤه .

"الخصف" بخاء معجمة فصاد مهملة مفتوحتين : المنسوج من الخوص .

"الشموس" - بفتح الشين المعجمة وضم الميم وبالواو والسين : [بنت النعمان بن عامر بن مجمع] من الأنصار .

"الرحبة" - بالراء والحاء المهملة والموحدة المفتوحات ، قال في "الصحاح" : رحبة المسجد بالتحريك : ساحته ، والجمع : رحب ورحبات ورحاب .

"الزوايا" جمع زاوية : الناحية . [ ص: 347 ]

"انماط" : بالنون والميم والطاء المهملة بعد الألف : أي تنحى .

"نخرت" - بالنون المفتوحة والخاء المعجمة المكسورة والراء : يبست وتفتتت .

"المنقوشة" - بميم مفتوحة فنون فقاف فواو فشين معجمة : الملونة بلونين أو ألوان .

"الساج" - بسين مهملة وجيم مخففة : نوع من الشجر .

"القصة" - بفتح القاف وتشديد الصاد المهملة المفتوحة فتاء تأنيث : [الحجارة من الجص] .

"الفسيفساء" قال في "النور" : بضم الفاء الأولى وفتح السين المهملة فتحتية ساكنة ففاء مكسورة ثم سين مهملة أخرى ممدودة ، هكذا سمع الناس ينطقون به ، وكذا رأيته محررا بخط كمال الدين بن العديم في تاريخه في غير موضع ، وكذا رأيته مضبوطا بالقلم في "مطالع" ابن فرفود ، وهو فصوص صغار من ألوان الزجاج تلصق بالحائط وتطلى بماء الذهب ، وهي كثيرة بجامع دمشق وبيت المقدس [وهي غاية] في الحسن والبهجة . [ ص: 348 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية