سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الخامس : في تحيرهم في مدة مكث هذه الأمة لما سمعوا الحروف المقطعة في أوائل السور

قال ابن إسحاق- فيما ذكر لي عن عبد الله بن عباس ، وجابر بن عبد الله بن رئاب- "إن أبا ياسر بن أخطب مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو يتلو فاتحة البقرة الم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [البقرة 1 ، 2] ، فأتى أخاه حيي بن أخطب في رجال من يهود ، فقال : تعلموا ، والله لقد سمعت محمدا يتلو فيما أنزل عليه : الم ذلك الكتاب ، فقالوا :

أنت سمعته؟ قال : نعم . فمشى حيي بن أخطب في أولئك النفر من يهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالوا له : "يا محمد ، ألم يذكر لنا أنك تتلو فيما أنزل عليك الم ذلك الكتاب ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "بلى" . قالوا : "أجاءك بها جبريل من عند الله؟ قال : "نعم" . قالوا : "لقد بعث الله قبلك أنبياء أنبياء ما نعلمه بين لنبي منهم ما مدة ملكه وما أجل أمته غيرك" . فقام حيي بن أخطب ، وأقبل على من معه فقال لهم : "الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون ، فهذه إحدى وسبعون سنة ، أفتدخلون في دين [نبي] إنما مدة ملكه وأجل أمته إحدى وسبعون سنة" ؟ ثم أقبل على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : "يا محمد هل مع هذا غيره" ؟ قال : "نعم" قال : ماذا؟ قال :

المص [الأعراف 1] قال : هذا أثقل وأطول : الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والصاد تسعون ، فهذه إحدى وستون ومائة سنة ، هل مع هذا يا محمد غيره" ؟ قال : "نعم" . [قال :

وما ذاك؟] قال : الر [يوسف : 1] قال : "هذه أثقل وأطول : الألف واحدة واللام ثلاثون والراء مائتان ، فهذه إحدى وثلاثون ومائتا سنة فهل مع هذا غيره يا محمد" ؟ قال : "نعم" المر [الرعد 1] . قال : "هذه والله أثقل وأطول : الألف واحدة واللام ثلاثون والميم أربعون والراء مائتان ، فهذه إحدى وسبعون ومائتا سنة" . ثم قال : "لقد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ما ندري أقليلا أعطيت أم كثيرا" .

ثم قاموا عنه ، فقال أبو ياسر لأخيه ولمن معه من الأحبار : "ما يدريكم لعله قد جمع هذا كله لمحمد : إحدى وسبعون [وإحدى وستون ومائة] ، وإحدى وثلاثون ومائتان ، وإحدى وسبعون ومائتان ، فذلك سبعمائة وأربع وثلاثون" . فقالوا : لقد تشابه علينا أمره . فيزعمون أن هذه الآيات نزلت فيهم : هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات
[آل عمران 7] .

[قال ابن إسحاق] : "وقد سمعت من لا أتهم من أهل العلم يذكر أن هؤلاء الآيات أنزلت في أهل نجران حين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ليسألوه عن عيسى بن مريم . وقد حدثني [ ص: 392 ]

محمد بن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه سمع أن هؤلاء الآيات إنما أنزلن في نفر من يهود ولم يفسر ذلك لي ، فالله أعلم أي ذلك كان" .

التالي السابق


الخدمات العلمية