سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثاني

اختلاف الناس في عدد المغازي التي غزا فيها النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة ، وفي كم قاتل فيها

روى ابن سعد ، عن ابن إسحاق وابن عقبة وأبي معشر ، وعن شيخه محمد بن عمر الأسلمي ، عن جماعة سماهم قالوا : كان عدد مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي غزا فيها بنفسه سبعا وعشرين ، وقيل : تسع وعشرون ، وقيل : ست وعشرون ، ومن قال بذلك جعل غزوة خيبر ووادي القرى غزوة واحدة . وقيل : خمس وعشرون ، وزعم الحافظ عبد الغني المقدسي أنه المشهور ، وعزاه لابن إسحاق وابن عقبة وأبي معشر ، والذي رواه عنهم ابن سعد ما سبق ، وهو الصواب الذي جزم به أبو الفرج في «التلقيح» والدمياطي والعراقي وغيرهم . قال في المورد : وهذا الذي نقله المؤلف -أي الحافظ عبد الغني- عن هؤلاء الأئمة الثلاثة لم يقع لي من نقله عنهم غير المؤلف ، سرد أسماء الغزوات ، وهي غزوة الأبواء ، ويقال لها : ودان ، ثم غزوة بواط ، ثم غزوة سفوان ، وهي بدر الأولى لطلب كرز بن جابر ، ثم غزوة العشيرة ، ثم غزوة بدر الكبرى ، ثم غزوة بني سليم بالكدر ، ويقال لها : قرقرة الكدر ، ثم غزوة السويق ، ثم غزوة غطفان ، وهي غزوة ذي أمر ثم غزوة الفرع ، من بحران بالحجاز ، ثم غزوة بني قينقاع ، ثم غزوة أحد ، ثم غزوة حمراء الأسد ، ثم غزوة بني النضير ، ثم غزوة بدر الأخيرة ، وهي غزوة بدر الموعد ، ثم غزوة دومة الجندل ، ثم غزوة بني المصطلق وهي المريسيع ، ثم غزوة الخندق ، ثم غزوة بني قريظة ، ثم غزوة بني لحيان ، ثم غزوة الحديبية ، ثم غزوة ذي قرد ، ثم غزوة خيبر ، ثم غزوة ذات الرقاع وهي غزوة محارب وبني ثعلبة ، ثم غزوة عمرة القضاء ، ثم غزوة فتح مكة ، ثم غزوة حنين ، ثم غزوة الطائف ، ثم غزوة تبوك ، وفي بعض ذلك تقديم وتأخير عند بعض المحدثين ، وسيأتي بيان ذلك مفصلا مع ضبطه .

قال ابن إسحاق ، وابن سعد ، وابن حزم ، وابن الأثير رحمهم الله : قاتل النبي صلى الله عليه وسلم في تسع غزوات : بدر ، وأحد ، والخندق ، وقريظة ، والمصطلق وهي المريسيع وخيبر والفتح وحنين والطائف ، ويقال : إنه صلى الله عليه وسلم قاتل أيضا في بني النضير ووادي القرى ، والغابة . وقال ابن عقبة :

قاتل في ثماني مواطن ، وأهمل عد قريظة؛ لأنه ضمها إلى الخندق لكونها كانت في إثرها ، وأفردها غيره لوقوعها منفردة بعد هزيمة الأحزاب ، وكذا وقع لغيره عد الطائف وحنينا واحدة؛ لكونها كانت في إثرها . [ ص: 9 ]

وروى مسلم عن بريدة بن الحصيب -رضي الله تعالى عنه- قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمان غزوات ، قال النووي : لعل بريدة أسقط غزوة الفتح ويكون مذهبه أنها فتحت صلحا -كما قال الشافعي وموافقوه- قلت : والتوجيه السابق أقعد . قال الحافظ أبو العباس الحراني رحمه الله في الرد على ابن المطهر الرافض : لا يفهم من قولهم أنه صلى الله عليه وسلم قاتل في كذا وكذا أنه قاتل بنفسه كما فهمه بعض الطلبة ممن لا اطلاع له على أحواله صلى الله عليه وسلم ، ولا يعلم أنه قاتل بنفسه في غزوة إلا في أحد فقط . قال : ولا يعلم أنه ضرب أحدا بيده إلا أبي بن خلف ، ضربه بحربة في يده . انتهى .

قلت : وعلى ما ذكره يكون المراد بقولهم : قاتل في كذا وكذا أنه صلى الله عليه وسلم وقع بينه وبين عدوه في هذه الغزوات قتال قاتلت فيها جيوشه بحضرته صلى الله عليه وسلم ، بخلاف بقية الغزوات ، فإنه لم يقع فيها قتال أصلا ، لكن نقل الحافظ في الفتح عن ابن عقبة أنه قال : قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه في ثمان غزوات ، وراجعت نسخة صحيحة في مغازي ابن عقبة ، ونصه : ذكر مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم التي قاتل فيها ، قاتل في بدر إلى آخر ما ذكره ، ثم قال : وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم اثنتي عشرة غزوة لم يكن فيها قتال . انتهى .

ولم يذكر فيها أنه صلى الله عليه وسلم قاتل بنفسه ، فكأنها في بعض النسخ . وسيأتي في غزوة أحد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رمى بقوسه حتى صارت شظايا ، وأنه أعطى ابنته فاطمة رضي الله عنها يوم أحد سيفه فقال : اغسلي دمه عنه ، وفي حديث . . . . «كنا إذا التقينا كتيبة أو جيشا ، أول من يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم» رواه . . . .

والغزوات الكبار الأمهات سبع : بدر ، وأحد ، والخندق ، وخيبر ، والفتح ، وحنين ، وتبوك .

وفي شأن هذه الغزوات نزل القرآن ، ففي بدر كثير من سورة الأنفال ، وفي أحد آخر آل عمران من قوله تعالى : وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال [آل عمران : 121] إلى قبيل آخرها بيسير . وفي قصة الخندق وقريظة صدر سورة الأحزاب ، وفي بني النضير سورة الحشر . وفي قصة الحديبية وخيبر سورة الفتح ، وأشير فيها إلى الفتح ، وذكر الفتح في سورة النصر ، وتبوك في سورة "براءة" وجرح منها رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد فقط ، وقاتلت معه الملائكة منها في بدر وحنين وأحد على خلاف في الثالثة يأتي تحقيقه في غزوتها . ونزلت الملائكة يوم الخندق فزلزلوا المشركين وهزموهم . ورمى بالحصباء في وجوه المشركين [ ص: 10 ] فهربوا ، فكان الفتح في غزوتين : بدر وحنين . وقاتل بالمنجنيق في غزوة واحدة وهي الطائف .

وتحصن بالخندق في واحدة وهي الأحزاب ، أشار به عليه سلمان الفارسي رضي الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية