سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الثالث

في غزوة الأبواء وهي ودان

قال أبو عمرو : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة باقي ربيع الأول ، الشهر الذي قدم فيه ، وباقي العام كله إلى صفر ، من سنة اثنتين من الهجرة ، ثم خرج غازيا في صفر ، وحمل لواءه حمزة بن عبد المطلب ، وكان لواء أبيض ، واستعمل على المدينة فيما قال أبو سعد وأبو عمر : سعد بن عبادة ، وخرج بالمهاجرين ليس منهم أنصاري ، يعترض عيرا لقريش فلم يلق كيدا ، ووادع بني ضمرة بن عبد مناة بن كنانة ، وعقد ذلك معه سيدهم .

قال ابن إسحاق وابن سعد وأبو عمرو : جمع مخشي بن عمرو الضمري ، وقال ابن الكلبي : عمارة بن مخشي بن خويلد بن عبد فهم بن يعمر بن عوف بن جدى بن ضمرة ، كذا ذكر الأمير أبو نصر في جدى -بضم الجيم وفتح الدال- وكذا قال ابن حزم في الجمهرة : إنه عمارة بن مخشي ، فالله أعلم- ووادعهم على ألا يغزو بني ضمرة ولا يغزوه ، ولا يكثروا عليه جمعا ولا يعينوا عليه عدوا ، وكتب بينه وبينهم كتابا نسخته :

«بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد رسول الله لبني ضمرة بأنهم آمنون على أموالهم وأنفسهم ، وأن لهم النصرة على من رامهم إلا أن يحاربوا في دين الله ، ما بل بحر صوفة . وأن النبي صلى الله عليه وسلم إذا دعاهم لنصره أجابوه ، عليهم بذلك ذمة الله وذمة رسوله ، ولهم النصر على من بر منهم واتقى» .

ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، وكانت غيبته خمس عشرة ليلة ، وهي أول غزاة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه الكريمة .

تنبيه في بيان غريب ما سبق :

الأبواء -بفتح الهمزة وسكون الموحدة والمد- قرية بين مكة والمدينة ، قيل سميت بذلك لما فيها من الوباء ، ولو كان كما ذكر لكانت الأوباء ، أو يكون مقلوبا منه ، والصحيح أنها سميت بذلك لتبوئ السيول بها ، قاله ثابت بن قاسم .

ودان -بفتح الواو وتشديد الدال المهملة في آخره نون- وهي قرية جامعة من عمل الفرع .

وادعته : صالحته .

مخشي -بفتح الميم وإسكان الخاء وكسر الشين المعجمتين ، ثم ياء مشددة كياء النسب- لم أر من ذكر له إسلاما .

لم يلق كيدا : أي حربا .

ما بل بحر صوفة : أي ما دام في البحر ما يبل الصوفة .

ذمة الله -بكسر الذال المعجمة- أمانه . [ ص: 15 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية