سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر وصول الأسارى إلى المدينة

قال ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر ، عن يحيى بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة قال : قدم بالأسارى حين قدم بهم ، وسودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند آل عفراء في مناحتهم على عوف ومعوذ ابني عفراء ، وذلك قبل أن يضرب عليهن الحجاب ، قال : تقول سودة : والله إني لعندهم إذ أتينا ، فقيل : هؤلاء الأسارى قد أتي بهم ، قالت : فرجعت إلى بيتي ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم فيه ، وإذا أبو يزيد سهيل بن عمرو في ناحية الحجرة مجموعة يداه إلى عنقه بحبل ، قالت : فلا والله ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد كذلك أن قلت : أي أبا يزيد ، أعطيتم بأيديكم ، ألا متم كراما . فوالله ما نبهني إلا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم من البيت : يا سودة أعلى الله ورسوله تحرضين ؟ وقلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما ملكت نفسي حين رأيت أبا يزيد مجموعة يداه إلى عنقه أن قلت ، فاستغفر لي يا رسول الله ، فقال : «يغفر الله لك» .

وقال أسامة بن زيد رضي الله عنهما فيما ذكره البلاذري : لما رأى سهيلا فقال : يا رسول الله ، هذا الذي كان يطعم الناس السريد ؟ يعني الثريد ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «هذا أبو [ ص: 66 ] يزيد الذي كان يطعم الطعام ، ولكنه سعى في إطفاء نور الله فأمكن الله منه» .

ولما دخل بالأسارى إلى المدينة فرقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أصحابه ، وقال : استوصوا بالأسارى خيرا . وكان أبو عزيز بن عمير بن هشام أخو مصعب بن عمير لأبيه وأمه في الأسارى ، قال أبو عزيز : مر بي أخي مصعب بن عمير ورجل من الأنصار يأسرني فقال : شد يديك به فإن أمه ذات متاع لعلها تفديه منك ، فقلت : يا أخي هذه وصاتك بي ؟ فقال له مصعب : إنه أخي دونك ، فسألت أمه عن أعلى ما فدي به أسير ، فقيل لها : أربعة آلاف درهم ، فبعثت بأربعة آلاف درهم ففدته بها . قال : وكنت في رهط من الأنصار حين أقبلوا بي من بدر ، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم خصوني بالخبز وأكلوا التمر ، لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم إياهم بنا ، ما تقع في يد رجل منهم كسرة خبز إلا نفحني بها ، قال : فأستحيي فأردها على أحدهم فيردها علي ما يمسها .

التالي السابق


الخدمات العلمية