سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر نوح أهل مكة على قتلاهم ثم منعهم من ذلك

روى ابن إسحاق ، عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال : ناحت قريش على قتلاها بمكة -زاد ابن عقبة وصاحب الإمتاع : شهرا- وجز النساء شعورهن ، وكان يؤتى براحلة الرجل منهم أو بفرسه وتوقف بين أظهر النساء ، ويسترنها بالستور حولها [وينحن حولها] ويخرجن إلى الأزقة . انتهى .

ثم قالوا : لا تفعلوا ذلك فيبلغ محمدا وأصحابه فيشمتوا بكم ، ولا تبعثوا في أسراكم حتى تستأنوا بهم ، لا يأرب عليكم محمد وأصحابه في الفداء ، فكان الأسود بن المطلب قد [ ص: 68 ] أصيب له ثلاثة من ولده : زمعة بن الأسود ، وعقيل بن الأسود ، والحارث بن زمعة ، وكان يحب أن يبكي على بنيه ، فبينما هو كذلك إذ سمع نائحة من الليل فقال لغلام له ، وقد ذهب بصره : انظر هل أحد انتحب ؟ هل بكت قريش على قتلاها ؟ لعلي أبكي على أبي حكيمة -بضم الحاء المهملة وفتح الكاف- يعني زمعة؛ فإن جوفي قد احترق ، فلما رجع إليه الغلام قال : إنما هي امرأة تبكي على بعير لها أضلته . قال عباد : فذاك حين يقول الأسود :


تبكي أن يضل لها بعير ويمنعها من النوم السهود     فلا تبكي على بكر ولكن
على بدر تقاصرت الجدود     على بدر سراة بني هصيص
ومخزوم ورهط أبي الوليد     وبكي إن بكيت على عقيل
وبكي حارثا أسد الأسود     وبكيهم ولا تسمي جميعا
وما لأبي حكيمة من نديد     ألا قد ساد بعدهم رجال
ولولا يوم بدر لم يسودوا



قال الزبير بن بكار : يريد أبا سفيان بن حرب ، كان رأس قريش في سيرهم إلى أحد ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا على الأسود هذا بأن يعمي الله تعالى بصره ، ويثكل ولده ، فاستجاب الله تعالى سبق العمى إلى البصر أولا ، ثم أصيب يوم بدر بمن نفاه من ولده ، فتمت إجابة الله تعالى رسوله صلى الله عليه وسلم فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية