سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر عدة من قتل من المشركين يوم بدر ومن أسر منهم

ذكر ابن إسحاق أن جميع من أحصي له من قتلى قريش من المشركين يوم بدر خمسون رجلا .

قال ابن هشام : حدثني أبو عبيدة ، عن أبي عمرو أن قتلى بدر من المشركين كانوا سبعين رجلا والأسرى كذلك ، وهو قول ابن عباس وسعيد بن المسيب ، وفي كتاب الله تعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها [آل عمران : 165] يقوله لأصحاب أحد ، وكان ممن استشهد منهم يوم أحد سبعين قتيلا ، وسبعين أسيرا . وأنشدني أبو زيد الأنصاري لكعب بن مالك في قصيدة له ينعى قتلى بدر :


فأقام بالعطن المطعن منهم سبعون عتبة منهم والأسود



[ ص: 76 ] وقال في البداية : المشهور أن الأسارى يوم بدر كانوا سبعين ، والقتلى من المشركين كذلك ، كما ورد في غيرما حديث .

وروى البخاري والبيهقي عن البراء قال : أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرماة عبد الله بن جبير -بالجيم تصغير جبر- وكانوا خمسين رجلا ، فأصابوا منا سبعين رجلا يعني يوم أحد ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أصابوا من المشركين يوم بدر أربعين ومائة : سبعين أسيرا وسبعين قتيلا .

قال الحافظ : هذا هو الحق في عدد القتلى ، وقد وافق البراء على ذلك ابن عباس وآخرون ، وأخرج ذلك مسلم من حديث ابن عباس . وقال الله سبحانه وتعالى : أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها فاتفق أهل العلم بالسير على أن المخاطبين بذلك أهل أحد وأن المراد بإصابتهم مثليها يوم بدر ، وعلى أن عدة من استشهد من المسلمين بأحد سبعون نفسا ، وأطبق أهل السير على أن من قتل من الكفار ببدر خمسون ، يزيدون قليلا أو ينقصون .

فسرد ابن إسحاق أسماءهم فبلغوا خمسين ، وزاد الواقدي ثلاثة أو أربعة ، وأطلق كثير من أهل المغازي أنهم بضعة وأربعون ، لكن لا يلزم من معرفة أسماء من قتل منهم على التعيين أن يكونوا جميع من قتل . انتهى .

وروى البيهقي عن الزهري قال : قتل من المشركين يوم بدر زيادة على السبعين ، وأسر منهم مثل ذلك ، ورواه ابن وهب عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عن عروة بن الزبير ، قال البيهقي : وهو أصح ما رويناه في عدد من قتل من المشركين ومن أسر منهم ، وحديث البراء شاهد له ، قلت : وبالغ الواقدي فحكى الإجماع على ما في حديث البراء .

قال أبو عمر : ومن مشاهير القتلى : حنظلة بن أبي سفيان بن حرب ، قتله زيد بن حارثة ، وعبيدة بن سعيد بن العاص ، قتله الزبير بن العوام ، وأخوه العاص بن سعيد قتله علي وقيل غيره ، وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة ، قتلهم حمزة وعبيدة وعلي كما تقدم ، وعقبة بن أبي معيط ، قتله عاصم بن ثابت صبرا [بالسيف] وقيل : بل علي بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم له بذلك ، والحارث بن عامر بن نوفل ، قتله علي ، وطعيمة بن عدي ، قتله حمزة ، وقيل : بل قتل صبرا ، والأول أشهر ، وزمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد ، وابنه الحارث بن زمعة ، وأخوه عقيل بن الأسود ، وأبو البختري وهو العاص بن هشام ، وتقدم الخلاف في قاتله من هو ، ونوفل بن خويلد بن أسد ، قتله علي ، وقيل الزبير ، والنضر بن الحارث قتل صبرا بالصفراء ، وعمير بن عثمان عم طلحة ، قتله علي بن أبي طالب ، ومسعود بن أبي أمية المخزومي أخو أم المؤمنين أم سلمة قتله علي بن أبي طالب ، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد ، قتله علي عليه السلام ، وأبو قيس بن الفاكه بن المغيرة ، قتله حمزة بن عبد المطلب ، والسائب بن أبي السائب [ ص: 77 ] المخزومي ، قتله الزبير بن العوام . جزم ابن إسحاق وغيره بأنه قتل ببدر كافرا ، وعلى ذلك جرى الزبير بن بكار ، وخالفهم ابن هشام وغيره وعدوه من جملة الصحابة ، وقال أبو عمر : إنه من المؤلفة قلوبهم ، وممن حسن إسلامه منهم ، فالله أعلم .

قال الحافظ : فيحتمل أن يكون السائب بن صيفي شريك النبي صلى الله عليه وسلم عند الزبير بن بكار غير السائب بن أبي السائب .

وروى الإمام أحمد عن السائب بن صيفي قال : جيء بي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة ، جاء بي عثمان بن عفان وزهير فجعلوا يثنون علي ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا تعلموني به فقد كان صاحبي في الجاهلية» قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم الصاحب كنت» وذكر الحديث في هذا دليل على أنه عاش إلى زمن الفتح ، وعاش بعد ذلك إلى زمن معاوية ، قال ابن الأثير : وكان من المعمرين .

قال ابن إسحاق : وكانت الفتية الذين قتلوا ببدر فنزل فيهم القرآن كما ذكر لنا إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا [النساء : 97] فتية مسمين ، وهم الحارث بن زمعة ، وأبو قيس بن الفاكه ، وأبو قيس بن الوليد ، وعلي بن أمية ، والعاص بن منبه ، وذلك أنهم كانوا أسلموا ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ، فلما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة حبسهم آباؤهم وعشائرهم بمكة وفتنوهم فافتتنوا ، ثم ساروا مع قومهم إلى بدر فأصيبوا به جميعا .

وكان ممن أسر يومئذ من بني هاشم العباس بن عبد المطلب . روى أبو نعيم ، عن ابن عباس رضي الله عنهما : قلت لأبي : يا أبت ، كيف أسرك أبو اليسر ولو شئت لجعلته في كفك ؟ فقال : يا بني لا تقل ذلك ، لقيني وهو في عيني أعظم من الخندمة -وهي بفتح الخاء المعجمة وسكون النون فدال مهملة مفتوحة فميم- اسم جبل بمكة . وعقيل بن أبي طالب ، ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب .

ومن بني المطلب بن عبد مناف : السائب بن عبيد ، والنعمان بن عمرو .

ومن بني نوفل : عدي بن الخيار . [ ص: 78 ]

ومن بني عبد الدار : أبو عزيز بن عمير .

ومن بني تيم بن مرة : مالك بن عبيد الله أخو طلحة بن عبيد الله .

ومن بني مخزوم ومن خلفائهم : أربعة وعشرون .

ومن بني عبد شمس وحلفائهم اثنا عشر رجلا ، منهم : عمرو بن أبي سفيان بن حرب ، والحارث بن أبي وجزة ، وأبو العاص بن الربيع ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

ومن سائر قريش : السائب بن أبي السائب ، وتقدم ما في ذلك . والحارث بن عامر ، وخالد بن هشام أخو أبي جهل بن هشام ، وصيفي بن أبي رفاعة ، وأخوه المنذر بن أبي رفاعة ، والمطلب بن حنطب ، وخالد بن الأعلم ، وهو القائل :


ولسنا على الأعقاب تدمى كلومنا     ولكن على أقدامنا يقطر الدم

فما صدق في ذلك ، بل هو أول من فر يوم بدر فأدرك وأسر .

وعثمان بن عبد شمس بن جابر المازني حليف لهم ، وأمية بن أبي حذيفة بن المغيرة ، وأبو قيس بن الوليد أخو خالد بن الوليد ، كذا ذكره في العيون تبعا لأبي عمر مع ذكرهما له فيمن قتل من مشركي أهل بدر وأحد المكانين غلط ، وعثمان بن عبد الله بن المغيرة ، وأبو عطاء عبد الله بن السائب بن عائذ المخزومي ، وأبو وداعة بن ضبيرة السهمي ، وهو أول أسير فدي منهم . وعبد الله بن أبي بن خلف الجمحي ، وأخوه عمرو ، وأبو عزة الجمحي ، وسهيل بن عمرو العامري ، وعبد الله بن زمعة بن قيس العامري ، وعبد الله بن حميد بن زهير الأسدي ، هذا ما ذكره أبو عمر من المشاهير من القتلى والأسرى .

التالي السابق


الخدمات العلمية