سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
التاسع : قال شيخ الإسلام أبو الحسن السبكي رحمه الله تعالى : سئلت عن الحكمة في قتال الملائكة مع النبي صلى الله عليه وسلم ببدر ، مع أن جبريل قادر على أن يدفع الكفار بريشة من جناح ، فأجبت : وقع ذلك لإرادة أن يكون الفعل للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه فتكون الملائكة مددا ، على عادة مدد الجيوش؛ رعاية لصورة الأسباب وسننها ، التي أجراها الله تعالى في عباده . والله تعالى فاعل الأشياء .

وقال في الكشاف في تفسير سورة يس في قوله تعالى : وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين [يس : 28] فإن قلت : فلم أنزل الجنود من السماء يوم بدر والخندق ؟ فقال : فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها [الأحزاب : 9] وقال : بألف من الملائكة مردفين [الأنفال : 9] بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين [آل عمران : 124] بخمسة آلاف من الملائكة مسومين [آل عمران : 125] قلت : إنما كان يكفي ملك واحد فقد أهلكت مدائن قوم لوط بريشة من جناح جبريل ، وبلاد ثمود وقوم صالح بصيحة ، ولكن الله تعالى فضل محمدا صلى الله عليه وسلم بكل شيء على كبار الأنبياء وأولي العزم من الرسل فضلا على حبيبه النجار . وأولاه من أسباب الكرامة ما لم يؤته أحدا ، فمن ذلك أنه أنزل له جنودا من السماء ، وكأنه أشار بقوله : وما أنزلنا وما كنا منزلين إلى أن إنزال الجنود من عظائم الأمور التي لا يؤهل لها إلا مثلك ، وما كنا نفعله لغيرك .

التالي السابق


الخدمات العلمية