سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
التاسع عشر : اختلف في قاتل أبي جهل ، ففي صحيح البخاري في كتاب الخمس [ ص: 87 ] عن عبد الرحمن بن عوف أن معاذ بن عمرو بن الجموح ، ومعاذ ابن عفراء قتلا أبا جهل ، وفيه أيضا عن أنس أن ابن مسعود انطلق لينظر أبا جهل فوجده قد ضربه ابنا عفراء حتى برد -بفتح الموحدة والراء المهملة- أي مات ، أو صار في حال من مات ، ولم يبق فيه سوى حركة المذبوح ، وابنا عفراء هما معاذ ومعوذ ، بتشديد الواو .

وعند ابن إسحاق ، عن ابن عباس ، عن عمرو بن الجموح أنه ضرب أبا جهل ضربة أطنت قدمه ، ثم مر به معوذ ابن عفراء فضربه حتى أثبته وبه رمق ، ثم مر بأبي جهل عبد الله بن مسعود وبه رمق فذكر ما سبق في القصة ، واحتز رأسه .

قال في الفتح بعد ذكر حديث ابن عوف : عفراء : والدة معوذ واسم أبيه الحارث . وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء ، وإنما أطلق عليه تغليبا ، ويحتمل أن تكون أم معاذ أيضا تسمى عفراء ، أو أنه كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل ظنه الراوي أخاه ، وما رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث ، لكنه يخالف حديث ابن عوف أنه رأى معاذ ابن عفراء ومعاذ بن عمرو شدا عليه جميعا حتى طرحاه ، وابن إسحاق يقول : إن ابن عفراء هو معوذ ، والذي في الصحيح معاذ وهما أخوان ، فيحتمل أن يكون معاذ ابن عفراء شد عليه فتجتمع الأقوال كلها ، وإطلاق كونهما قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود أنه وجده وبه رمق ، وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول ، حتى لم يبق إلا مثل حركة المذبوح ، وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه .

وأما ما ذكره ابن عتبة وأبو الأسود عن عروة : أن ابن مسعود أنه وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير ، متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه ، إلى آخر ما ذكر في القصة ، فيحمل على أن ذلك وقع بعد أن خاطبه كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية