سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الرابع والعشرون : في فضل من شهد بدرا من المسلمين .

روى البخاري عن رفاعة بن رافع الزرقي رضي الله عنه ، وكان من أهل بدر ، قال : جاء جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : «من أفضل المسلمين ، أو كلمة نحوها» قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة .

وروى الإمام أحمد بسند على شرط مسلم ، عن جابر رضي الله تعالى عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لن يدخل النار رجل شهد بدرا والحديبية» .

وروى الإمام أحمد وابن ماجه عن رافع بن خديج رضي الله عنه أن جبريل أو ملكا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ما تعدون من شهد بدرا فيكم ؟ قال : خيارنا . قال : كذلك هم عندنا من الملائكة .

قال الشيخ أبو الفرج بن الجوزي في جامع المسانيد : هكذا وقع في مسند أحمد ، والظاهر أنه غلط من بعض الرواة ، وإنما هو حديث رافع بن رفاعة الزرقي وليس برافع بن خديج ، ويحتمل أن يكون ابن خديج سمعه أيضا من رسول الله صلى الله عليه وسلم .

[ ص: 89 ] وروى أبو داود وابن ماجه والطبراني بسند جيد ، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اطلع الله تعالى على أهل بدر فقال : «اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» .

وروى الإمام أحمد عن حفصة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : «إني لأرجو ألا يدخل النار -إن شاء الله- أحد شهد بدرا والحديبية» قالت : قلت : أليس الله تعالى يقول : وإن منكم إلا واردها ؟ [مريم : 71] قالت : فسمعته يقول : ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا [مريم : 72] .

وروى مسلم والترمذي ، عن جابر رضي الله عنه أن عبدا لحاطب جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكو حاطبا إليه ، فقال : يا رسول الله ، ليدخلن حاطب النار ، فقال : «كذبت ، لا يدخلها؛ فإنه قد شهد بدرا والحديبية» .

وفي الصحيح عن علي رضي الله عنه في قصة كتاب حاطب : وأن عمر بن الخطاب قال : يا رسول الله ، دعني أضرب عنقه ، فقال صلى الله عليه وسلم : «أليس من أهل بدر ؟ ولعل الله اطلع على أهل بدر فقال : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم» أو قال : «فقد وجبت لكم الجنة» وسيأتي الحديث في غزوة الفتح .

روى الطبراني عن رافع بن خديج رضي الله عنه : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم بدر : «والذي نفسي بيده لو أن مولودا ولد في فقه أربعين سنة من أهل الدين يعمل بطاعة الله تعالى كلها ، ويجتنب معاصي الله تعالى كلها ، إلى أن يرد إلى أرذل العمر أو يرد إلى ألا يعلم بعد علم شيئا ، لم يبلغ أحدكم هذه الليلة» رجاله ثقات إلا جعفر بن مقلاص؛ فإنه غير معروف .

وروى البخاري عن أنس رضي الله عنه قال : أصيب حارثة بن زيد ببدر ، فجاءت أمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله قد عرفت منزلة حارثة مني ، فإن يك في الجنة أصبر وأحتسب . وإن تكن الأخرى فترى ما أصنع ؟ فقال : «ويحك ، أو هبلت أوجنة واحدة هي ؟ ! إنها جنان كثيرة ، وإنه في جنة الفردوس» وجاء في رواية البخاري عن أنس أن حارثة كان في النظارة ، وفيه : إن ابنك أصاب الفردوس الأعلى .

وفي هذا تنبيه عظيم على فضل أهل بدر؛ فإن هذا لم يكن في بحبحة القتال ولا في حومة الوغى ، بل كان من النظارة من بعيد ، وإنما أصابه سهم غرب وهو يشرب من الحوض ، ومع هذا أصاب بهذا الموقف جنة الفردوس التي هي [ ص: 90 ] أعلى الجنة ، وأوسط الجنة ، ومنها تفجر أنهار الجنة التي أمر الشارع صلى الله عليه وسلم أمته -إذا سألوا الله تعالى الجنة- أن يسألوه إياها ، فإذا كان هذا حال هذا فما ظنك بمن كان في نحر العدو ، وهم على ثلاثة أضعافهم عددا وعددا ؟ !!

التالي السابق


الخدمات العلمية