سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الخامس والعشرون : استشكل قوله : اعملوا ما شئتم [فصلت : 40] فإن ظاهره أنه للإباحة ، وهو خلاف عقد الشرع ، وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أن كل عمل كان لكم فهو مغفور ، ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي؛ ولهذا لقال : فسأغفره لكم ، وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاطب بذلك عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب ، وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين ، فدل على أن المراد ما سيأتي . وأورده بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه .

وقيل : إن صيغة الأمر في قوله : «اعملوا» للتشريف والتكريم ، فالمراد عدم المؤاخذة بما يصدر عنهم ، وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السالفة ، وتأهلوا لأن يغفر لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت ، أي : كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور ، وقيل : إن المراد أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة ، وقيل : هي شهادة بعدم وقوع الذنوب منهم ، وفيه نظر ظاهر؛ لما في قصة قدامة بن مظعون حين شرب الخمر في أيام عمر متأولا وحده ، فهاجر بسبب ذلك ، فرأى عمر في المنام من يأمره بمصالحته ، وكان قدامة بدريا .

والذي يفهم من سياق القصة الاحتمال الثاني ، وهو الذي فهمه أبو عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير ، واتفقوا على أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الآخرة ، لا بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية