سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر ثبات رسول الله صلى الله عليه وسلم

روى البيهقي عن المقداد بن عمرو رضي الله عنه فذكر حديثا في يوم أحد وقال : فأوجعوا والله قتلا ذريعا ، ونالوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم ما نالوا ، ألا والذي بعثه بالحق إن زال رسول الله صلى الله عليه وسلم شبرا واحدا ، وإنه لفي وجه العدو ويفيء إليه طائفة من أصحابه مرة ، وتفترق [ ص: 197 ] مرة عنه ، فربما رأيته قائما يرمي عن قوسه ، ويرمي بالحجر حتى تحاجزوا ، وثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم في عصابة ثبتت معه .

وقال محمد بن عمر : ثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم مكانه ما يزول قدما واحدا ، بل وقف في وجه العدو ، وما يزال يرمي عن قوسه حتى تقطع وتره ، وبقيت في يده منه قطعة تكون شبرا في سية القوس ، فأخذ القوس عكاشة بن محصن ليوتره له ، فقال : يا رسول الله لا يبلغ الوتر ، فقال : «مده فيبلغ » ، قال عكاشة : فوالذي بعثه بالحق لمددته حتى بلغ ، وطويت منه ليتين أو ثلاثا على سية القوس ، ثم أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قوسه ، فما زال يرمي به وأبو طلحة يستره متترسا عنه حتى تحطمت القوس ، وصارت شظايا ، وفنيت نبله ، فأخذ القوس قتادة بن النعمان ، فلم تزل عنده ، ورمى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحجارة ، وكان أقرب الناس إلى العدو ، وثبت معه صلى الله عليه وسلم خمسة عشر رجلا : ثمانية من المهاجرين : أبو بكر ، وعمر ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن أبي وقاص ، وأبو عبيدة بن الجراح . وسبعة من الأنصار : الحباب بن المنذر ، وأبو دجانة ، وعاصم بن ثابت ، والحارث بن الصمة ، وسهل بن حنيف وسعد بن معاذ - وقيل : سعد بن عبادة - ومحمد بن مسلمة . ويقال : ثبت بين يديه يومئذ ثلاثون رجلا كلهم يقول : وجهي دون وجهك ، ونفسي دون نفسك ، وعليك السلام غير مودع !

وروى الطبراني عن ابن عباس : أن ابن مسعود ثبت يومئذ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكشف الناس عنه إلى الجبل لا يلوون يدعوهم في أخراهم يقول : «إلي يا فلان ، أنا رسول الله » ، فما يعرج عليه أحد ، وهذا النبل يأتيه صلى الله عليه وسلم من كل ناحية ، والله تعالى يصرف ذلك عنه .

وروى محمد بن عمر الأسلمي عن نافع بن جبير قال : سمعت رجلا من المهاجرين يقول : شهدت أحدا فنظرت إلى النبل من كل ناحية ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم وسطها ، كل ذلك يصرف عنه . ولقد رأيت عبد الله بن شهاب الزهري يقول يومئذ : دلوني على محمد ، لا نجوت إن نجا . ورسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنبه ما معه أحد ، ثم جاوزه فعاتبه صفوان بن أمية في ذلك ، فقال : والله ما رأيته ، أحلف بالله إنه منا ممنوع ، أما والله خرجنا أربعة فتعاهدنا ، وتعاقدنا على قتله ، فلم نخلص إليه .

قال ابن سعد : قال أبو النمر الكناني وهو جد شريك بن عبد الله بن أبي نمر : شهدت أحدا مع المشركين ، ورميت يومئذ بخمس مرماة ، فأصبت منها بأسهم ، وإني لأنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن أصحابه لمحدقون به ، وإن النبل لتمر عن يمينه وعن شماله ، [وتقصر ] بين يديه ، وتخرج من ورائه ، ثم هداني الله للإسلام .

[ ص: 198 ] وروى عبد الرزاق بسند مرسل قوي عن الزهري قال : ضرب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد سبعين ضربة بالسيف ، وقاه الله شرها كلها .

قال الحافظ : ويحتمل أنه أراد بالسبعين حقيقتها ، أو المبالغة في الكثرة . انتهى .

وبايعه يومئذ على الموت ثمانية : ثلاثة من المهاجرين ، وهم : علي ، والزبير ، وطلحة . وخمسة من الأنصار : أبو دجانة ، والحارث بن الصمة ، والحباب بن المنذر ، وعاصم بن ثابت ، وسهل بن حنيف ، فلم يقتل منهم أحد .

وروى أبو يعلى بسند حسن ، عن علي رضي الله عنه قال : لما انجلى الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد نظرت في القتلى ، فلم أر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : والله ما كان ليفر وما أراه في القتلى ، ولكن أرى الله تعالى غضب علينا بما صنعنا ، فرفع نبيه صلى الله عليه وسلم ، فما لي خير من أن أقاتل حتى أقتل ، فكسرت جفن سيفي ، ثم حملت على القوم فأفرجوا لي ، فإذا أنا برسول الله صلى الله عليه وسلم بينهم ، أي يقاتلهم صلى الله عليه وسلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية