سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر رجوع بعض المسلمين بعد توليهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم

روى ابن المنذر عن كليب بن شهاب قال : خطبنا عمر فكان يقرأ على المنبر آل عمران ويقول : إنها أحدية فلما انتهى إلى قوله تعالى : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان [آل عمران 155 ] قال : لما كان يوم أحد هزمنا ونفرت ، حتى صعدت في الجبل ، فلقد رأيتني أنزو كأنني أروي ، فسمعت يهوديا يقول : قتل محمد ، فقلت : لا أسمع أحدا يقول : قتل محمد إلا ضربت عنقه ، فنظرت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس يتراجعون إليه .

قال ابن إسحاق : وكان أول من أقبل من المسلمين بعد التولية قيس بن محرث ، ويقال : قيس بن الحارث بن عدي بن جشم مع طائفة من الأنصار ، فصادفوا المشركين فدخلوا [ ص: 207 ] حومتهم ، فما أفلت منهم رجل حتى قتل ، ولقد ضاربهم قيس حتى قتل نفرا ، فما قتلوه إلا بالرماح ، نظموه ، ووجد به أربع عشرة طعنة ، قد جافته ، وعشر ضربات في بدنه .

ونادى الحباب بن المنذر : يا آل سلمة ، فأقبلوا عليه عنقا واحدا : لبيك داعي الله .

وكان عباس بن عبادة بن نضلة - بالنون والضاد المعجمة - وخارجة بن زيد ، وأوس بن أرقم ، يرفعون أصواتهم ، فيقول عباس : يا معشر المسلمين : الله ونبيكم ، هذا الذي أصابكم بمعصية نبيكم ، فوعدكم النصر ما صبرتم ، ثم نزع مغفره وخلع درعه ، وقال لخارجة بن زيد : هل لك فيها ؟ قال : لا ، أنا أريد الذي تريد ، فخالطوا القوم جميعا ، وعباس يقول : ما عذرنا عند ربنا إن أصيب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومنا عين تطرف ؟ فيقول خارجة : لا عذر لنا عند ربنا ولا حجة . فقتل سفيان بن عبد شمس عباسا ، وأخذت خارجة بن زيد الرماح فجرح بضعة عشر جرحا ، وأجهز عليه صفوان بن أمية - وأسلم صفوان بعد ذلك - وقتل أوس بن أرقم رضي الله عنه .

ومر مالك بن الدخشم على خارجة بن زيد [بن أبي زهير ] وهو قاعد في حشوته وبه ثلاثة عشر جرحا كلها خلصت إلى مقتل ، فقال : أما علمت أن محمدا قد قتل ؟ فقال خارجة : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قتل فإن الله حي لا يموت ، فقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالة ربه ، فقاتل عن دينك !

ومر على سعد بن الربيع وبه اثنتا عشرة جراحة كلها قد خلص إلى مقتل ، فقال : أعلمت أن محمدا قد قتل ؟ فقال سعد : أشهد أن محمدا صلى الله عليه وسلم قد بلغ رسالة ربه ، فقاتل عن دينك ، فإن الله تعالى حي لا يموت ! قالوا : وكان أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن انهزم المسلمون وقول الناس : قتل رسول الله - كما ذكر الزهري - كعب بن مالك ، قال : رأيت عيني رسول الله صلى الله عليه وسلم تزهران من تحت المغفر ، فناديت بأعلى صوتي : يا معشر المسلمين أبشروا هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلي أن اسكت ، ودعا بلأمة كعب ، وكانت صفراء أو بعضها ، فلبسها ونزع لأمته فلبسها كعب ، وقاتل كعب حتى جرح سبع عشرة جراحة ، لشدة قتاله .

وروى الطبراني بسند رجاله ثقات ، عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال : لما كان يوم أحد وصرنا إلى الشعب كنت أول من عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأشار إلي بيده أن اسكت ، ثم ألبسني لأمته ولبس لأمتي ، فلقد ضربت حتى جرحت عشرين جراحة - أو قال : بضعا وعشرين جراحة - كل من يضربني يحسبني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبلوا عليه . ولما رأوه سالما [ ص: 208 ] كأنهم لم يصبهم شيء حين رأوه ، وفرحوا بذلك فرحا شديدا ، فلما عرف المسلمون رسول الله صلى الله عليه وسلم نهضوا به ، ونهض معهم نحو الشعب ومعه أبو بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وطلحة بن عبيد الله ، والزبير بن العوام ، والحارث بن الصمة ، ورهط من المسلمين .

التالي السابق


الخدمات العلمية