سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر مقتل عمرو بن الجموح وعبد الله بن حرام رضي الله عنهما

كان عمرو أعرج شديد العرج ، وكان له بنون أربعة مثل الأسد ، يشهدون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد ، وهم خلاد ومعوذ ومعاذ وأبو أيمن ، فلما كان يوم أحد أرادوا حبسه [ ص: 214 ] وقالوا : إن الله قد عذرك . فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه وللخروج معك فيه ، فوالله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه في الجنة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : «أما أنت فقد عذرك الله تعالى ، فلا جهاد عليك » ، وقال لبنيه : ما عليكم ألا تمنعوه لعل الله أن يرزقه الشهادة ، فخرج وهو يقول مستقبل القبلة : اللهم لا تردني إلى أهلي خائبا ، فقتل شهيدا !

وروى الإمام أحمد عن قتادة بن الحارث بن ربعي الأنصاري قال : أتى عمرو بن الجموح إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله ، أرأيت إن قاتلت في سبيل الله حتى أقتل ، أمشي برجلي هذه صحيحة في الجنة - وكانت رجله عرجاء - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «نعم » ، فقتلوه يوم أحد وهو وابن أخيه ومولى لهم ، فمر عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : «كأني أنظر إليك تمشي برجلك هذه صحيحة في الجنة » ، فأمر بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلوا في قبر واحد . انتهى .

واستشهد ابنه خلاد بن عمرو ، وعبد الله بن عمرو بن حرام والد جابر فحملتهم هند بنت عمرو بن حرام زوجة عمرو بن الجموح على بعير لها تريد بهم المدينة ، فلقتها أم المؤمنين عائشة رضي الله عنهما - وقد خرجت في نسوة تستروح الخبر ، ولم يضرب الحجاب يومئذ ، فقالت لها : هل عندك خبر ؟ ما وراءك ؟ قالت : أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فصالح وكل مصيبة بعده جلل . واتخذ الله من المؤمنين شهداء ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا وكفى الله المؤمنين القتال وكان الله قويا عزيزا [الأحزاب 25 ] قالت عائشة : من هؤلاء ؟ قالت : أخي وابني خلاد ، وزوجي عمرو بن الجموح . قالت : وأين تذهبين بهم ؟ قالت : إلى المدينة أقبرهم فيها ، ثم قالت : حل حل ، تزجر بعيرها ، فبرك ، فقالت لها عائشة : لما عليه ؟ قالت : ما ذاك به لربما حمل ما يحمل بعيران ، ولكن أراه لغير ذلك ، وزجرته فقام وبرك ، فوجهته راجعة إلى أحد ، فأسرع فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته بذلك ، فقال : إن الجمل مأمور ، هل قال عمرو شيئا ؟ قالت : إن عمرا لما توجه إلى أحد قال : اللهم لا تردني إلى أهلي خائبا وارزقني الشهادة ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «فلذلك الجمل لا يمضي ، إن منكم - معشر الأنصار - من لو أقسم على الله لأبره . منهم عمرو بن الجموح ، ولقد رأيته [يطأ ] بعرجته في الجنة ، يا هند ، ما زالت الملائكة مظلة على أخيك من لدن قتل إلى الساعة ينتظرون أين يدفن » ، ثم مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبرهم ، ثم قال : «يا هند ، قد ترافقوا في الجنة » قالت : يا رسول الله ، ادع الله عسى أن يجعلني معهم .

[ ص: 215 ] قال جابر بن عبد الله : كان أبي أول قتيل قتل من المسلمين ، قتله سفيان بن عبد شمس وهو والد أبي الأعور السلمي .

وروى محمد بن عمر عن شيوخه قالوا : قال عبد الله بن عمرو بن حرام - بالراء - رأيت في النوم قبل أحد مبشر بن عبد المنذر يقول لي : أنت قادم علينا في أيام ، فقلت : وأين أنت ؟ قال : في الجنة ، أسرح فيها كيف أشاء ، قلت : ألم تقتل يوم بدر ؟ قال : بلى ، ثم أحييت ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : «هذه الشهادة يا أبا جابر » .

التالي السابق


الخدمات العلمية