سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
[ ص: 250 ] الرابع والعشرون : قال العلماء رضي الله عنهم : كان في قصة أحد وما أصيب به المسلمون فيها من الفوائد والحكم الربانية أشياء عظيمة ، منها : تعريف المسلمين سوء عاقبة المعصية ، وشؤم ارتكاب النهي ، لما وقع من ترك الرماة موقعهم الذي أمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا يبرحوا منه .

ومنها : أن عادة الرسل أن تبتلى وتكون لها العاقبة ، كما سيأتي في قصة هرقل مع أبي سفيان ، وقوله له : هل قاتلتموه ؟ قال : نعم ، قال : كيف الحرب بينكم وبينه ؟ قال : سجال يدال علينا المرة وندال عليه الأخرى . قال هرقل : كذلك الرسل ، تبتلى ثم تكون لهم العاقبة ، والحكمة في ذلك أنهم لو انتصروا دائما دخل في المؤمنين من ليس منهم ، ولم يتميز الصادق من غيره ، فإن المسلمين لما أظهرهم الله على عدوهم يوم بدر ، وطار لهم الصيت دخل معهم ظاهرا في الإسلام من ليس معهم فيه باطنا ، ولو انكسروا دائما لم يحصل المقصود من بعثة الرسل ، فاقتضت الحكمة الجمع بين الأمرين ليتميز الصادق من الكاذب ، وذلك أن نفاق جماعة ممن يدعي الإيمان كان مخفيا عن المسلمين ، فلما جرت هذه القصة ، وأظهر أهل النفاق ما أظهروا من الفعل والقول ، عاد التلويح تصريحا ، وعرف المسلمون أن لهم عدوا في دورهم فاستعدوا لهم وتحرزوا منهم .

ومنها : أن في تأخير النصر في بعض المواطن هضما للنفس وكسرا لشماختها ، فلما ابتلي المؤمنون صبروا ، وجزع المنافقون .

ومنها : أن الله تعالى هيأ لعباده المؤمنين منازل في دار كرامته لا تبلغها أعمالهم ، فقيض لهم أسباب الابتلاء والمحن ، ليصلوا إليها .

ومنها : أن الشهادة من أعلى مراتب الأولياء فساقها الله تعالى إليهم .

ومنها : أنه تعالى إذا أراد إهلاك أعدائه قيض لهم الأسباب التي يستوجبون بها ذلك ، من كفرهم وبغيهم وطغيانهم في أذى أوليائه ، فمحص بذلك ذنوب المؤمنين ، ومحق به الكافرين .

ومنها : أن الأنبياء صلى الله عليهم وسلم إذا أصيبوا ببعض العوارض الدنيوية من الجراحات والآلام والأسقام ، تعظيما لأجرهم ، تأسى بهم أتباعهم في الصبر على المكاره ، والعاقبة للمتقين .

الخامس والعشرون : في فضل شهداء أحد : عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : قال : لما أصيب أبي يوم أحد جيء به مسجى وقد مثل به ، وفي رواية : جيء به مجزعا فوضع بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجعلت أكشف الثوب عن وجهه وأبكي ، وجعلوا ينهونني ورسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا ينهاني ، وجعلت فاطمة بنت عمرة تبكيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا [ ص: 251 ] تبكيه ، ما زالت الملائكة تظله بأجنحتها حتى رفع » . رواه البخاري . وعنه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال لجابر : «ألا أبشرك بما لقي الله تعالى به أباك » ، قلت : بلى ، قال : «ما كلم الله تعالى أحدا قط إلا من وراء حجاب ، وأنه أحيى أباك فكلمه كفاحا » وقال : «عبدي تمن علي أعطك » ، قال : يا رب تحييني فأقاتل فيك ثانية . قال الرب سبحانه وتعالى : (قد سبق مني أنهم لا يرجعون ) . قال : «أي رب فأبلغ من ورائي » ، فنزلت ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا [آل عمران 169 ] الآية ، رواه الترمذي وحسنه ، وابن ماجة وابن خزيمة في صحيحه ، وعن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر : «ألا أبشرك ؟ » قال : بلى ، قال : «شعرت أن الله تبارك وتعالى أحيى أباك فأقعده بين يديه ، وقال : تمن علي ما شئت أعطك ، قال : يا رب ما عبدتك حق عبادتك ، أتمنى أن تردني إلى الدنيا ، فأقتل بين يدي نبيك مرة أخرى . قال : سبق مني أنك إليها لا ترجع » .

وروى ابن المنذر من طريق طلحة بن نافع عن أنس قال : لما قتل حمزة وأصحابه يوم أحد قالوا : يا ليت لنا مخبرا يخبر إخواننا بالذي صرنا إليه من كرامة الله تعالى لنا ، فأوحى إليهم ربهم تبارك وتعالى : أنا رسولكم إلى إخوانكم ، فأنزل الله عز وجل : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا إلى قوله : لا يضيع أجر المؤمنين .

وعن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : «لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر ، ترد أنهار الجنة ، وتأكل من ثمارها ، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش ، فلما وجدوا طيب مشربهم وحسن مقيلهم قالوا : يا ليت إخواننا يعلمون ما صنع الله تعالى لنا ، وفي لفظ : قالوا : من يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق ، لئلا يزهدوا في الجهاد ، ولا ينكلوا على الحرب . فقال الله عز وجل : أنا أبلغهم عنكم ، فأنزل الله تعالى هؤلاء الآيات : ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا إلى آخر الآيات » ، رواه مسلم وأبو داود .

وروى ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في المصنف والإمام أحمد ومسلم وابن المنذر عن [ ص: 252 ] مسروق قال : سألنا عبد الله ، يعني ابن مسعود ، عن هذه الآيات فقال : إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : «أرواحهم في جوف طير خضر » ، وفي لفظ عبد الرزاق : «أرواح الشهداء عند الله كطير خضر ، لها قناديل من ذهب ، معلقة بالعرش تسرح في الجنة حيث شاءت ، ثم تأوي إلى تلك القناديل ، فاطلع إليهم ربهم اطلاعة فقال : هل تشتهون شيئا ؟ ففعل ذلك بهم ثلاث مرات ، فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا : يا ربنا ، نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل في سبيلك مرة أخرى ، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا » .

وروى عبد الرزاق عن أبي عبيدة ، عن عبد الله : أنه قال الثالثة حين قال لهم : «ما تشتهون من شيء ؟ قالوا : تقري نبينا السلام ، وتبلغه أنا قد رضينا وارض عنا » .

وروى هذا ابن السري وابن أبي حاتم والبيهقي عن أبي سعيد الخدري : أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : «إن أرواح الشهداء في أجواف طير خضر ترعى في رياض الجنة ، ثم يكون مأواها إلى قناديل معلقة بالعرش » ، فذكر نحو ما سبق .

وروى عبد الرزاق وسعيد بن منصور عن ابن عباس قال : «أرواح الشهداء تجول في أجواف طير تعلق في ثمر الجنة » .

وروى ابن جرير نحوه عن السدي .

وروى ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : بل أحياء قال : في صور طير خضر يطيرون في الجنة حيث شاءوا .

وروى عمر بن شبة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتي قبور الشهداء فإذا أتى فرضة الشعب يقول : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، ثم كان أبو بكر بعد النبي صلى الله عليه وسلم يفعله ، وكذا عمر وعثمان .

وروى البيهقي من طرق ، عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما وابن سعد والبيهقي من طريق آخر عنه ، ومحمد بن عمر عن شيوخه : قال جابر : استصرخنا إلى قتلانا يوم أحد حين أجرى معاوية العين ، فأتيناهم فأخرجناهم رطابا تتثنى أطرافهم . قال شيوخ محمد بن عمر : وجدوا والد جابر ويده على جرحه ، فأميطت يده عن جرحه ، فانبعث الدم فردت إلى مكانها فسكن الدم ، قال جابر : فرأيت أبي في حفرته كأنه نائم ، والنمرة التي كفن فيها كما هي ، والحرض على رجليه على هيئته ، وبين ذلك ست وأربعون سنة ، وأصابت المسحاة رجلا [ ص: 253 ] منهم . قال الشيوخ : وهو حمزة ، فانبعث الدم ، فقال أبو سعيد الخدري : لا ينكر بعد هذا منكر ، ولقد كانوا يحفرون التراب ، فكلما حفروا نقرة من تراب فاح عليهم ريح المسك .

وروى الحارث بن أبي أسامة في سنده ، عن سعد بن أبي وقاص ، والحاكم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا ذكر أصحاب أحد يقول : «أما والله لوددت أني غودرت مع أصحابي بفحص الجبل » ، يعني شهداء أحد .

وروى الحاكم عن عبد الله بن أبي فروة مرسلا : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم زار قبور الشهداء بأحد فقال : «اللهم إني عبدك ونبيك ، وأشهد أن هؤلاء شهداء ، وأنه من زارهم وسلم عليهم إلى يوم القيامة ردوا عليه » .

وروى البيهقي عن هاشم بن محمد العمري من ولد عمر بن علي بن أبي طالب قال : أخذني أبي بالمدينة إلى زيارة قبور الشهداء ، في يوم جمعة بين الفجر والشمس ، فلما انتهى إلى المقابر رفع صوته فقال : السلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار ، فأجيب : وعليك السلام يا عبد الله ، فالتفت أبي إلي فقال : أنت المجيب ، فقلت : لا ، فجعلني عن يمينه ، ثم أعاد السلام ، فجعل كلما سلم يرد عليه ثلاث مرات ، فخر ساجدا شاكرا لله تعالى .

وروى ابن منده ، عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه قال : أردت مالي بالغابة فأدركني الليل فأويت إلى قبر عبد الله بن حرام ، فسمعت قراءة من القبر ما سمعت أحسن منها ، فجئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له ، فقال : «ذاك عبد الله ألم تعلم أن الله تعالى قبض أرواحهم فجعلها في قناديل من زبرجد وياقوت ، ثم علقها وسط الجنة ، فإذا كان الليل ردت إليهم أرواحهم ، فلا تزال كذلك ، حتى إذا طلع الفجر ردت أرواحهم إلى مكانها الذي كانت فيه ! » .

وروى الحاكم والبيهقي بسند صحيح عن العطاف بن خالد قال : حدثتني خالتي أنها زارت قبور الشهداء ، قالت : وليس معي إلا غلامان يحفظان الدابة ، فسلمت عليهم ، فسمعت رد السلام ، قالوا : والله إنا نعرفكم كما يعرف بعضنا بعضا ، قالت : فاقشعر جلدي فقلت : يا غلام أدن البغلة فركبت .

وروى ابن أبي شيبة والإمام أحمد وابن حبان ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «الشهداء على بارق - نهر بباب الجنة - في قبة خضراء يخرج إليهم [ ص: 254 ] رزقهم من الجنة غدوة وعشية » .

والأحاديث والآثار في فضل شهداء أحد كثيرة ، وفيما ذكر كفاية .

السادس والعشرون : قوله صلى الله عليه وسلم : «جعل الله تعالى أرواحهم في أجواف طير خضر » . قال الحافظ أبو القاسم الخثعمي رحمه الله تعالى : أنكر قوم هذه الرواية ، وقالوا : لا تكون روحان في جسد واحد ، وأن ذلك محال . قال : وهذا جهل بالحقائق ، فإن معنى الكلام بين ، فإن روح الشهيد الذي كان في جوف جسده في الدنيا يجعل في جوف جسد آخر كأنه صورة طائر ، فيكون في هذا الجسد الآخر كما كان في الأول ، إلى أن يعيده الله تعالى يوم القيامة كما خلقه . وهذه الرواية لا تعارض ما رووه من قوله : في صور طير خضر ، والشهداء طير خضر ، وجميع الروايات كلها متفقة المعنى ، وإنما الذي يستحيل في العقل قيام حياتين بجوهر واحد ، فيجيء الجوهر بهما جميعا ، وأما روحان في جسد فليس بمحال إذا لم نقل بتداخل الأجسام ، فهذا الجنين في بطن أمه وروحه غير روحها ، وقد اشتمل عليهما جسد واحد ، وهذا لو قيل : إن الطائر له روح غير روح الشهيد ، وهما في جسد واحد ، فكيف ؟ وإنما قال في أجواف طير خضر ، أو في صورة طير ، كما تقول : رأيت ملكا في صورة إنسان ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم كما رواه الإمام أحمد والنسائي وابن ماجة وابن حبان ، عن كعب بن مالك : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : «إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة » . تأوله بعضهم مخصوصا بالشهيد . وقال بعضهم : إنما الشهيد في الجنة يأكل حيث شاء ، ثم يأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في العرش ، وغير الشهيد من المؤمنين ، ولكن الروح نفسه طائر يعلق بشجر الجنة ، ويعلق - بضم اللام - أي يتشبث بها ويرى مقعده منها ، ومن رواه يعلق - بفتح اللام - فمعناه يصيب منها العلقة ، أي ينال منها ما هو دون نيل الشهيد ، فضرب العلقة مثلا ، لأن من أصاب العلقة من الطعام فقد أصاب دون ما أصاب غيره ممن أدرك الرغد ، فهو مثل مضروب يفهم منه هذا المعنى ، وإن أراد بـ«يعلق » الأكل نفسه فهو مخصوص بالشهيد ، فتكون رواية الضم للشهداء ، ورواية الفتح لمن دونهم ، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم من ذلك ، وإنما تأوي إلى تلك القناديل ليلا وتسرح نهارا ، فيعلم بذلك الليل والنهار ، وبعد دخولهم الجنة لا تأوي إلى تلك القناديل . والله أعلم . وإنما ذلك مدة البرزخ . هذا ما يدل عليه ظاهر الحديث .

قال مجاهد : الشهداء يأكلون من ثمر الجنة ، وليسوا فيها . وأنكر أبو عمر قول مجاهد [ ص: 255 ] ورده ، وليس بمنكر عندي ، وقال الشيخ رحمه الله في شرح سنن أبي داود : إذا فسرنا الحديث بأن الروح تتشكل طائرا ، فالأشبه أن المقصود بذلك القدرة على الطيران فقط ، لا في صورة الخلقة ، لأن شكل الآدمي أفضل الأشكال ، قلت : وصرح بذلك ابن برجان في الإرشاد . ويؤيده كلام السهيلي الآتي في غزوة مؤتة ، ويشهد له حديث ابن عباس ، أي الذي ذكرته آخر التنبيه الذي قبل هذا . انتهى كلام أبي القاسم رحمه الله تعالى .

وقال ابن كثير : كان الشهداء أقساما ، منهم من تسرح أرواحهم في الجنة ، ومنهم من يكون على هذا النهر ، أي بارق بباب الجنة ، كما سبق في حديث ابن عباس ، وقد يحتمل أن يكون منتهى سيرهم إلى هذا النهر - أي بارق - فيجتمعون هناك ويغدى عليهم برزقهم ويراح . وقال القاضي ناصر الدين البيضاوي رحمه الله تعالى في شرح المصابيح : قوله : أرواحهم في أجواف طير خضر ، أي يخلق الله تعالى لأرواحهم ، بعد ما فارقت أجسادها ، هياكل على تلك الهيئة تتعلق بها وتكون خلفا عن أبدانهم ، فيتوسلون بها إلى نيل ما يشتهون من اللذات الحسية . واطلاع الله تعالى عليهم ، واستفهامه عما يشتهون مرة بعد أخرى مجاز عن تلطفه بهم ، وتضاعف تفضله وإنما قال : «اطلاعه » ، ليدل على أنه ليس من جنس اطلاعنا على الأشياء ، وعداه بإلى ، وحقه أن يعدى بعلى ، لتضمنه معنى الانتهاء ، والمراد بقوله : «فلما رأوا أنهم لن يتركوا إلخ » أنه لا يبقى لهم متمنى ولا مطلوب أصلا ، غير أن يرجعوا إلى الدنيا فيستشهدوا ثانيا ، لما رأوا بسببه من الشرف والكرامة .

وأول بعضهم رواية في جوف طير خضر بأن جعل «في » بمعنى «على » ، والمعنى أرواحهم على جوف خضر كقوله تعالى : ولأصلبنكم في جذوع النخل [طه 71 ] أي على جذوع النخل ، وجائز أن يسمى الطير جوفا ، إذ هو محيط به ومشتمل عليه . قاله عبد الحق . قال القرطبي : وهو حسن جدا . وقال غيره : لا مانع من أن تكون في الأجواف حقيقة ، ويوسعها الله تعالى حتى تكون أوسع من الفضاء .

وقال القاضي عياض رحمه الله : ليس للأقيسة والعقول في هذا حكم ، فإذا أراد الله تبارك وتعالى أن يجعل الروح إذا خرجت من المؤمن أو الشهيد في قناديل أو جوف طير ، أو حيث شاء كان ذلك وقع ولم يبعد ، لا سيما القول بأن الأرواح أجسام ، فغير مستحيل أن يتصور جزء من الإنسان طائرا ، أو يجعل في جوف طير في قناديل تحت العرش ، وقد تعلق بهذا الحديث وأمثاله بعض القائلين بالتناسخ ، وانتقال الأرواح وتنعيمها في الصور الحسان المرهفة ، وتعذيبها في الصور القبيحة . وزعموا أن هذا هو الثواب والعقاب ، وهذا باطل مردود ، لإبطاله ما جاءت به الشرائع من إثبات الحشر والنشر والجنة والنار ، ولهذا قال في حديث آخر : «فيرجعه الله تعالى إلى جسده يوم بعثه الأجساد » .

التالي السابق


الخدمات العلمية