سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكره أمره صلى الله عليه وسلم بقطع النخيل

أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقطع نخل بني النضير ، واستعمل على قطعها أبا ليلى المازني ، وعبد الله بن سلام ، وكان أبو ليلى يقطع العجوة . وكان عبد الله بن سلام يقطع اللون فقيل لهما في ذلك ، فقال أبو ليلى : كانت العجوة أحرق لهم ، وقال عبد الله بن سلام : قد عرفت أن الله سيغنمه أموالهم . وكانت العجوة خيرا لهم ، فلما قطعت العجوة شق النساء الجيوب ، وضربن الخدود ، ودعون بالويل ، فجعل سلام بن مشكم يقول : يا حيي ، العذق [خير] من العجوة ، يغرس فلا يطعم ثلاثين سنة يقطع ! فأرسل حيي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : [يا محمد ، إنك] كنت تنهى عن الفساد فلم تقطع النخل ؟ ووجد بعض المسلمين في أنفسهم من قولهم ، وخشوا أن يكون فسادا ، فقال بعضهم : لا تقطعوا ، وقال بعضهم : بل نقطعه لنغيظهم بذلك .

وأرسل حيي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحن نعطيك الذي سألت ونخرج من بلادك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «لا أقبله اليوم ، ولكن اخرجوا منها ، ولكم ما حملت الإبل إلا الحلقة» .

فقال سلام بن مشكم : اقبل ويحك ، من قبل أن تقبل شرا من ذلك ، فقال حيي : ما يكون شرا من هذا . قال سلام بن مشكم : تسبى الذرية وتقتل المقاتلة مع الأموال . والأموال أهون علينا ، فأبى حيي أن يقبل يوما أو يومين ، فلما رأى ذلك يامين بن عمير وأبو سعد بن وهب قال أحدهما لصاحبه : والله إنك لتعلم أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما ننتظر أن نسلم فنأمن على دمائنا وأموالنا ؟ فنزلا من الليل فأسلما وحرزا أموالهما ودماءهما ، ثم نزلت يهود على أن لهم ما حملت الإبل إلا الحلقة .

وجعل يامين لرجل من قيس عشرة دنانير ، ويقال : خمسة أوسق من تمر ، حتى قتل عمرو بن جحاش غيلة ، فسر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقتله .

وحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم .

قال محمد بن عمر وابن سعد ، والبلاذري ، وأبو معشر ، وابن حبان : خمسة عشر يوما .

وقال ابن إسحاق وأبو عمرو : ست ليال .

وقال سليمان التيمي : قريبا من عشرين ليلة .

وقال ابن الكلاع : ثلاث وعشرين ليلة . [ ص: 324 ]

وعن عائشة : خمس وعشرين حتى أجلاهم .

وولي إخراجهم محمد بن مسلمة - رضي الله عنه- فقالوا : إن لنا ديونا على الناس إلى آجال فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : «تعجلوا وضعوا» .

فكان لأبي رافع سلام بن أبي الحقيق على أسيد بن حضير عشرون ومائة دينار إلى سنة ، فصالحه على أخذ رأس ماله ثمانين دينارا ، وأبطل ما فضل .

وكانوا في حصارهم يخربون بيوتهم مما يليهم ، وكان المسلمون يخربون بيوتهم مما يليهم ، ويحرقون ، حتى وقع الصلح .

التالي السابق


الخدمات العلمية