سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : النضير- بفتح النون وكسر الضاد المعجمة الساقطة- : حي من يهود دخلوا في العرب وهم على نسبهم إلى هارون نبي الله تعالى صلى الله عليه وسلم ، وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا ، وكان الله تعالى قد كتب عليهم هذا الجلاء .

الثاني : قال في الهدي : زعم محمد بن شهاب الزهري أن غزوة بني النضير كانت بعد بدر بستة أشهر ، وهذا وهم منه وغلط ، بل الذي لا شك فيه أنها كانت بعد أحد ، انتهى . [ ص: 331 ]

والزهري إنما نقل ذلك عن عروة ورواه الحاكم وصححه ، وأقره الذهبي والبيهقي عن عائشة رضي الله عنها ، لكن قال البيهقي : هكذا قال ، أي أحد رواته عن الزهري ، عن عروة عن عائشة وذكر عائشة غير محفوظ ، وتقدم كلام ابن كثير في ذلك ، وفي آخر غزوة بني قينقاع فراجعه .

الثالث : روى الشيخان عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : حرق رسول الله صلى الله عليه وسلم نخل بني النضير وقطع ، وهي البويرة ، فنزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله [الحشر 5] .

وروي أيضا عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حرق نخل بني النضير . قال ابن عمر : ولها يقول حسان بن ثابت :


وهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير

قال : فأجابه أبو سفيان بن الحراث ، أي قبل إسلامه :


أدام الله ذلك من صنيع     وحرق في جوانبها السعير
ستعلم أينا منها بنزه     وتعلم أي أرضينا تضير

قال الحافظ : ونسبة هذه الأبيات لحسان بن ثابت وجوابها لأبي سفيان بن الحارث هو المشهور كما في الصحيح . ونقل أبو الفتح عن أبي عمرو الشيباني أن الذي قال «وهان على سراة بني لؤي» هو أبو سفيان بن الحارث ، وإنما قال : «عز» بدل «هان» وأن الذي أجابه بقوله : «أدام الله ذلك من صنيع» البيتين هو حسان ، قال : وهو أشبه من الرواية التي وقعت في البخاري .

قال الحافظ ولم يذكر مستندا للترجيح : والذي يظهر أن الذي في الصحيح أصح ، وذلك أن قريشا كانوا يظاهرون كل من عادى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعدونهم النصر والمساعدة ، فلما وقع لبني النضير من الخذلان ما وقع قال حسان الأبيات المذكورة ، توبيخا لقريش ، وهم بنو لؤي كيف خذلوا أصحابهم .

وقد ذكر ابن إسحاق أن حسان قال ذلك في غزوة بني قريظة ، وإنما ذكر بني النضير استطرادا ، وستأتي الأبيات بكمالها في غزوة بني قريظة .

وفي جواب أبي سفيان بن الحارث في قوله «وتعلم أي أرضينا تضير» ما يرجح ما وقع في الصحيح ، لأن أرض بني النضير تجاور أرض الأنصار ، فإذا خربت أضرت بما جاورها بخلاف أرض قريش ، فإنها بعيدة منها بعدا شديدا ، فلا نبالي بخرابها ، فكأن أبا سفيان يقول : [ ص: 332 ] تخريب أرض بني النضير وتحريقها إنما يضر أرض من جاورها ، وأرضكم التي تجاورها ، فهي التي تتضرر لا أرضنا ، ولا يتهيأ مثل هذا في عكسه إلا بتكلف .

وكان من أنكر استبعد أن يدعو أبو سفيان بن الحارث على أرض الكفرة مثله بالتحريق في قوله :

أدام الله ذلك من صنيع والجواب عنه أن اسم الكفر وإن جمعهم لكن العداوة الدينية كانت قائمة بينهم ، لما بين أهل الكتاب وعبدة الأوثان من التباين ، وأيضا فقوله :

وحرق في نواحيها السعير يريد بنواحيها المدينة ، فيرجع ذلك الدعاء على المسلمين أيضا .

التالي السابق


الخدمات العلمية