سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر خروج النبي صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع

استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة زيد بن حارثة ، فيما قال محمد بن عمر ، وابن سعيد . وقال ابن هشام : أبا ذر الغفاري ، ويقال : نميلة بن عبد الله الليثي ، وهو بضم النون تصغير نملة .

وقاد المسلمون ثلاثين فرسا ، للمهاجرين عشرة ، منها فرسان لرسول الله صلى الله عليه وسلم : لزاز- بلام فزاي فألف فزاي أخرى- والظرب- بظاء معجمة مشددة مفتوحة فراء مكسورة فموحدة .

وخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بشر كثير من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قط مثلها ، ليس بهم رغبة في الجهاد إلا أن يصيبوا من عرض الدنيا ، ولقرب السفر عليهم .

فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى سلك على الخلائق فنزل بها ،

فأتي يومئذ برجل من عبد القيس فسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : أين أهلك ؟ قال : بالروحاء ، فقال : أين تريد ؟ قال : إياك جئت لأؤمن بك ، وأشهد أن ما جئت به حق ، وأقاتل معك عدوك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

الحمد لله الذي هداك إلى الإسلام ، وسأل : أي الأعمال أحب إلى الله ؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم :

الصلاة لأول وقتها
.

وأصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عينا للمشركين ، فسأله عنهم ، فلم يذكر من شأنهم شيئا . [ ص: 345 ]

فعرض عليه الإسلام فأبى ، فأمر عمر بن الخطاب فضرب عنقه .

وانتهى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المريسيع ، وقد بلغ القوم مسير رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقتله عينهم ، فتفرق عن الحارث من كان قد اجتمع عليه من أفناء العرب .

وضرب لرسول الله صلى الله عليه وسلم قبة من أدم .

وكان معه من نسائه عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما ، وتهيأ الحارث للحرب ، فصف رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه ، ودفع راية المهاجرين إلى أبي بكر ، ويقال : إلى عمار بن ياسر ، وراية الأنصار إلى سعد بن عبادة .

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب فنادى في الناس : قولوا : لا إله إلا الله ، تمنعوا بها أنفسكم وأموالكم ، ففعل عمر ذلك ، فأبوا ، فتراموا بالنبل ساعة ، فكان أول من رمى رجل منهم بسهم ، فرمى المسلمون ساعة بالنبل ، ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يحملوا ، فحملوا حملة رجل واحد ، فما أفلت من المشركين إنسان ، وقتل عشرة منهم ، وأسر سائرهم ، وسبا رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجال والنساء والذرية والنعم والشاء .

وفي الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم هجم عليهم وهم غارون وما قتل من المسلمين إلا رجل واحد يقال له : هشام بن صبابة- بصاد مهملة مضمومة فموحدة مخففة فألف فموحدة أخرى- أصابه رجل من الأنصار يقال له : أوس من رهط عبادة بن الصامت ، يرى أنه من المشركين فقتله خطأ ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإخراج ديته ، فقبضها أخوه مقيس بن صبابة ، وعدا على قاتل أخيه فقتله ، فارتد ولحق بقريش فأهدر النبي صلى الله عليه وسلم دمه ، فقتل يوم الفتح .

قال أبو قتادة : حمل لواء المشركين يومئذ صفوان ذو الشقرة ، فلم تكن لي ناهية حتى شددت عليه ، وكان الفتح .

وكان شعار المسلمين يومئذ : «يا منصور أمت» .

وروى محمد بن عمر عن جويرية رضي الله عنها قالت : أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن على المريسيع ، فأسمع أبي يقول : أتانا ما لا قبل لنا به ، قالت : فكنت أرى من الناس والسلاح والخيل ما لا أصف من الكثرة ، فلما أن أسلمت وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجعنا جعلت أنظر إلى المسلمين فليسوا كما كنت أرى ، فعلمت أنه رعب من الله تعالى يلقيه في قلوب المشركين .

وكان رجل منهم قد أسلم وحسن إسلامه يقول : كنا نرى رجالا بيضا على خيل بلق ما كنا نراهم قبل ولا بعد . [ ص: 346 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية