سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
تنبيهات

الأول : المصطلق- بضم الميم وسكون الصاد وفتح الطاء المهملتين وكسر اللام بعدها قاف- مفتعل من الصلق وهو رفع الصوت ، وهو لقب ، واسمه جذيمة- بجيم فذال معجمتين مفتوحة فتحتية ساكنة- ابن سعد بن عمرو بن ربيعة بن حارثة : بطن من بني خزاعة .

والمريسيع- بضم الميم وفتح الراء وسكون التحتانيتين بينهما سين مهملة مكسورة وآخره عين مهملة- وهو ماء لبني خزاعة بينه وبين الفرع مسيرة يوم ، مأخوذ من قولهم : رسعت عين الرجل ، إذا دمعت من فساد .

الثاني : اختلف في زمن هذه الغزوة ، فقال ابن إسحاق : في شعبان سنة ست ، وبه جزم خليفة بن خياط والطبري .

وقال قتادة وعروة : كانت في شعبان سنة خمس .

ووقع في صحيح البخاري نقلا عن ابن عقبة أنها كانت في سنة أربع . قال الحافظ : وكأنه سبق قلم ، أراد أن يكتب سنة خمس فكتب سنة أربع . والذي في مغازي موسى بن عقبة من عدة طرق أخرجها الحاكم وأبو سعيد النيسابوري والبيهقي في الدلائل وغيرهم : سنة خمس .

ولفظه عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب : ثم قاتل رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المصطلق وبني لحيان في شعبان سنة خمس . ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد عن ابن عمر أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق .

وقال الحاكم في الإكليل : قول عروة وغيره إنها كانت في سنة خمس أشبه من قول ابن إسحاق . قال الحافظ : ويؤيده ما ثبت في حديث الإفك أن سعد بن معاذ تنازع هو وسعد بن عبادة في أصحاب الإفك ، أي المذكور في الحوادث ، فلو كانت هذه الغزوة في شعبان سنة ست ، مع أن الإفك كان فيها ، لكان ما وقع في الصحيح من ذكر سعد بن معاذ غلطا ، لأن سعد بن معاذ مات أيام قريظة وكانت سنة خمس على الصحيح ، كما سيأتي تقريره ، وإن كانت سنة أربع فهو أسد ، فظهر أن غزوة بني المصطلق كانت سنة خمس في شعبان ، فتكون وقعت قبل الخندق ، لأن الخندق كانت في شوال من سنة خمس ، فتكون بعدها ، فيكون سعد بن معاذ موجودا في المريسيع . ورمي بعد ذلك بسهم في الخندق ، ومات من جراحته بعد أن حكم في بني قريظة . [ ص: 356 ]

ويأتي لهذا مزيد بيان في الكلام على حديث الإفك في الحوادث ، ويؤيده أيضا أن حديث الإفك كان سنة خمس ، إذ الحديث فيه التصريح بأن ذلك كان بعد نزول الحجاب ، والحجاب كان في ذي القعدة سنة أربع عند جماعة ، فتكون المريسيع بعد ذلك ، فيترجح أنه سنة خمس . أما قول الواقدي : إن الحجاب كان في ذي القعدة سنة خمس ، فمردود . وقد جزم خليفة وأبو عبيدة وغير واحد أن الحجاب كان سنة ثلاث ، فحصلنا في الحجاب على ثلاثة أقوال : أشبههما سنة أربع .

الثالث : روى الشيخان عن ابن عون قال : كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال ، فكتب إلي : إنما كان ذلك في أول الإسلام ، قد أغار رسول الله صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق ، وهم غارون وأنعامهم تسعى على الماء ، فقتل مقاتلتهم ، وسبى ذراريهم ، الحديث . وعنه حدثني هذا الحديث عبد الله بن عمر ، وكان في ذلك الجيش .

غارون ، بتشديد الراء ، أي غافلون .

وذكر جل أهل المغازي أنه حصل بين الفريقين قتال ، وذكر جماعة منهم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عمر أن يدعوهم إلى توحيد الله تعالى . قال في الفتح : فيحتمل أن يكونوا حين الإيقاع بهم تثبتوا قليلا ، فلما كثر فيهم القتال انهزموا ، بأن يكون لما دهمهم وهم على الماء ثبتوا وتصافوا ، ووقع القتال بين الطائفتين ، ثم بعد ذلك وقعت الغلبة عليهم .

وأشار ابن سعد إلى حديث نافع ثم قال : والأول أثبت ، وأقره في العيون ، والحكم بكون الذي في السير أثبت مما في الصحيح مردود ، لا سيما مع إمكان الجمع .

الرابع : جهجاه ، وقيل : اسم أبيه مسعود ، وقيل : سعيد : قال الطبري : المحدثون يزيدون فيه الهاء ، والصواب جهجا ، دون هاء .

وسنان اختلف في اسم أبيه أيضا فقيل : وبر بسكون الموحدة ، وقيل : بفتحها- وقيل أبير- بوزن [زبير] ، وقيل : وبرة واحدة الوبر ، وقيل : عمرو ، وقيل : تيم .

الخامس :

قوله صلى الله عليه وسلم : «دعوها فإنها منتنة» .

قال أبو القاسم الخثعمي : يعني «يا لفلان» ، لأنها من دعوى الجاهلية . وقد جعل الله تعالى المؤمنين إخوة ، وحزبا واحدا ، فإنما ينبغي أن تكون الدعوة : يا للمسلمين ، فمن دعا في الإسلام بدعوى الجاهلية فيتوجه فيها للفقهاء ثلاثة أقوال :

أحدها : أن يجلد من استجاب لها بالسلاح خمسين سوطا ، اقتداء بأبي موسى الأشعري في جلده النابغة الجعدي خمسين سوطا ، حين سمع : يا لعامر ! فأقبل يشتد بعصبة له . [ ص: 357 ]

القول الثاني : إن فيها الجلد دون العشرة ، لنهيه صلى الله عليه وسلم أن يجلد أحد فوق عشرة أسواط ، إلا في حد .

والقول الثالث : اجتهاد الإمام في ذلك حسب ما يراه من سد الذريعة ، وإغلاق باب الشر بالوعيد ، وإما بالسجن ، وإما بالضرب . فإن قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعاقب الرجلين حين دعوا بها ، قلنا : قد قال : دعوها فإنها منتنة ، فقد أكد النهي ، فمن عاد إليها بعد هذا النهي ، وبعد وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالإنتان ، وجب أن يؤدب حتى يشم نتنها ، كما فعل أبو موسى بالجعدي ، ولا معنى لنتنها إلا سوء العاقبة فيها ، والعقوبة عليها .

السادس : في استئذان عبد الله بن عبد الله بن أبي في قتل أبيه المنافق ، من أجل المقالة الخبيثة التي قالها .

وفي هذا العلم العظيم والبرهان النير من أعلام النبوة ، فإن العرب كانت أشد خلق الله حمية وتعصبا ، فبلغ الإيمان منهم ونور اليقين من قلوبهم إلى أن يرغب الرجل منهم في قتل أبيه وولده ، تقربا إلى الله تعالى وتزلفا إلى رسوله ، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم أبعد الناس [نسبا] منهم ، أي الأنصار ، وما تأخر إسلام قومه وبني عمه وسبق إلى الإيمان به الأباعد إلا لحكمة عظيمة ، إذ لو بادر أهله وأقربوه إلى الإيمان به لقيل : قوم أرادوا الفخر برجل منهم ، وتعصبوا له ، فلما بادر إليه الأباعد وقاتلوا على حبه من كان منهم ، أو من غيرهم ، علم أن ذلك عن بصيرة صادقة ، ويقين قد تغلغل في قلوبهم ، ورهبة من الله تعالى أزالت صفة قد كانت [سدكت] في نفوسهم من أخلاق الجاهلية ، لا يستطيع إزالتها إلا الذي فطر الفطرة الأولى ، وهو القادر على ما يشاء .

السابع : نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لجويرية حتى عرف من حسنها ما عرف ، وذلك لأنها كانت أمة مملوكة ، ولو كانت حرة ما ملأ عينه منها ، لأنه لا يكره النظر إلى الإماء . وجائز أيضا أن يكون نظر إليها لأنه نوى نكاحها ، أو أن ذلك قبل أن تنزل آية الحجاب .

الثامن : وقع في هذه الغزوة حديث الإفك ، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث في سنة خمس . قيل : وفيها نزلت آية التيمم ، وسيأتي الكلام عليه في الحوادث .

التالي السابق


الخدمات العلمية