سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر قتلهم وأخذ أموالهم وسبي ذراريهم

فلما حكم سعد ، بما حكم ، وانصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم الخميس لتسع ليال كما [ ص: 12 ] ذكر محمد بن عمر وابن سعد ، وجزم به الدمياطي ، وقيل لخمس - كما جزم به في الإشارة - خلون من ذي الحجة ، وأمر بهم فأدخلوا المدينة ، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسبي فسيقوا إلى دار أسامة بن زيد ، والنساء والذرية إلى دار رملة بنت الحارث ، ويقال حبسوا جميعا في دار رملة ، وأمر لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأحمال تمر فنثرت لهم ، فباتوا يكدمونها كدم الحمر ، وأمر بالسلاح والأثاث والمتاع والثياب فحمل إلى دار ابنة الحارث وبالإبل والغنم ترعى هناك في الشجر ، فلما أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غدا إلى السوق ، فأمر بأخدود فخدت في السوق ما بين موضع دار أبي الجهم العدوي إلى أحجار الزيت ، فكان أصحابه هناك يحفرون ، وجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه علية أصحابه ودعا برجال بني قريظة ، فكانوا يخرجون أرسالا ، تضرب أعناقهم في تلك الخنادق ، فقالوا لكعب بن أسد - وهم يذهب بهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أرسالا : يا كعب ، ما ترى محمدا يصنع بنا ؟ قال : ما يسوءكم ، ويلكم! على كل حال لا تعقلون!! ألا ترون الداعي لا ينزع ، وأنه من ذهب منكم لا يرجع ؟ هو والله السيف ، قد دعوتكم إلى غير هذا فأبيتم علي قالوا : ليس هذا بحين عتاب ، لولا أنا كرهنا أن نزرى برأيك ما دخلنا في نقض العهد الذي كان بيننا وبين محمد ، قال حيي بن أخطب : اتركوا ما ترون من التلاوم ، فإنه لا يرد عنكم شيئا ، واصبروا للسيف ، وكان الذين يلون قتلهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وجاء سعد بن عبادة والحباب بن المنذر ، فقالا : يا رسول الله ، إن الأوس قد كرهت قتل بني قريظة لمكان حلفهم ، فقال سعد بن معاذ : ما كرهه من الأوس أحد فيه خير ، فمن كرهه فلا أرضاه الله . فقام أسيد بن الحضير - رضي الله عنه - فقال : يا رسول الله : لا تبقين دارا من دور الأوس إلا فرقتهم فيها ، فمن سخط فلا يرغم الله إلا أنفه ، فابعث إلى داري أول دورهم ، ففرقهم في دور الأوس فقتلوهم ، ثم أتي بحيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه ، عليه حلة شقحية .

وقال ابن إسحاق : فقاحية قد لبسها للقتل ، ثم عمد إليها فشقها أنملة أنملة لئلا يسلبه إياها أحد . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين طلع : «ألم يمكن الله منك يا عدو الله : قال بلى والله ، أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ، ولقد التمست العز في مكانه فأبى الله إلا أن يمكنك . ولقد قلقلت كل مقلقل ، ولكنه من يخذل الله يخذل . ثم أقبل علي الناس فقال : أيها الناس ، لا بأس بأمر الله ، قدر وكتاب وملحمة كتبت على بني إسرائيل ! ثم جلس فضربت عنقه ، وأتي بنباش بن قيس وقد جابذ الذي جاء به حتى قاتله فدق الذي جاء به أنفه فأرعفه .

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - للذي جاء به «لم صنعت هذا به . أما كان في السيف كفاية ؟ » فقال : يا [ ص: 13 ] رسول الله ، جابذني لأن يهرب ، فقال نباش : كذب والتوراة يا أبا القاسم ، لو خلاني ما تأخرت عن موطن قتل فيه قومي حتى أكون كأحدهم ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «أحسنوا إسارهم وقيلوهم واسقوهم ، حتى يبردوا ، فتقتلوا من بقي ، لا تجمعوا عليهم حر الشمس وحر السلاح» وكان يوما صائفا ، فقيلوهم وسقوهم ، فلما أبردوا راح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتل من بقي ، وأتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكعب بن أسد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «كعب» ؟ قال : نعم يا أبا القاسم قال : ما انتفعتم بنصح ابن جواس لكم ، وكان مصدقا بي ، أما أمركم باتباعي ، وإن رأيتموني أن تقرئوني منه السلام» ؟ قال : بلى والتوراة يا أبا القاسم ، ولولا أن تعيرني يهود بالجزع من السيف لاتبعتك ولكني على دين يهود ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «قدمه فاضرب عنقه» فأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقتل كل من أنبت منهم .


وروى ابن إسحاق ، والإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي في صحيحه ، والنسائي عن عطية القرظي قال : كنت غلاما فوجدوني لم أنبت ، فخلوا سبيلي .

وروى الطبراني عن أسلم الأنصاري قال : جعلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أسارى قريظة ، فكنت أنظر إلى فرج الغلام فإن رأيته أنبت ضربت عنقه ، وإن لم أره جعلته في مغانم المسلمين .

وكان رفاعة بن سموأل القرظي رجلا قد بلغ ، فلاذ بسلمى بنت قيس أم المنذر ، أخت سليط بن قيس ، وكانت إحدى خالات النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صلت القبلتين مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبايعته مع بيعة النساء ، فقالت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي ، هب لي رفاعة ، فإنه زعم أنه سيصلي ، ويأكل لحم الجمل ، فوهبه لها فاستحيته فأسلم بعد .

ولم يزل ذلك الدأب حتى فرغ منهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلوا إلى أن غاب الشفق ، ثم رد عليهم التراب في الخندق ، كل ذلك بعين سعد بن معاذ فاستجاب الله دعوته وأقر عينه - رضي الله عنه ولم يقتل من نسائهم إلا امرأة واحدة من بني النضير يقال لها نباتة تحت رجل من بني قريظة يقال له الحكم ، وكان يحبها وتحبه ، فلما اشتد عليهم الحصار بكت إليه وقالت إنك لمفارقي ، فقال : هو والتوراة ، ما ترين فأنت امرأة ، فدلي عليهم هذه الرحى ، فإنا لم نقتل منهم أحدا بعد ، وأنت امرأة ، وإن يظهر محمد علينا فإنه لا يقتل النساء ، وإنما كره أن تسبى ، فأحب [ ص: 14 ] أن تقتل ، وكانت في حصن الزبير بن باطا فدلت رحى من فوق الحصن ، وكان المسلمون ربما جلسوا تحت الحصن يستظلون في فيئه ، فأطلعت الرحى فلما رآها القوم انفضوا ، وتدرك خلاد بن سويد فتشدخ رأسه ، فحذر المسلمون أهل الحصن ، فلما كان اليوم الذي أمر بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يقتلوا فيه دخلت على عائشة - رضي الله عنها - فجعلت تضحك ظهرا لبطن ، وهي تقول : سراة بني قريظة يقتلون إذ سمعت صوت قائل يا «نباتة» ، قالت أنا والله التي أدعى ، قالت عائشة ولم ؟ قالت : قتلني زوجي ، وكانت جارية حلوة الكلام فقالت عائشة :

وكيف قتلك زوجك ؟ قالت : في حصن الزبير بن باطا فأمرني فدليت رحى على أصحاب محمد فشدخت رأس رجل منهم فمات ، وأنا أقتل به ، فانطلق بها ، فأمر بها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقتلت ، بخلاد بن سويد . فكانت عائشة تقول : لا أنسى طيب نفس نباتة ، وكثرة ضحكها ، وقد عرفت أنها تقتل .

وروى أبو داود قصتها مختصرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية