سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
الباب الحادي والعشرون في غزوة بني لحيان بني هذيل بن مدركة بناحية عسفان

وجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على عاصم بن ثابت ، وخبيب بن عدي وأصحابهما المقتولين بالرجيع الآتي ذكره في السرايا والبعوث . وجدا شديدا ، فأظهر أنه يريد الشام ، ليصيب من القوم غرة ، فعسكر من ناحية الجرف ، وخرج في مائتي رجل ، ومعهم عشرون فرسا .

قال محمد بن عمر ، وابن سعد ، وابن هشام : واستخلف على المدينة ابن أم مكتوم .

فخرج من المدينة فسلك على غراب ثم على محيص ثم على البتراء ، ثم صفق ذات اليسار ، فخرج على يين ثم على صخيرات الثمام ، ثم استقام به الطريق على السيالة ، فأغذ السير سريعا حتى نزل بطن غران وبينها وبين عسفان خمسة أميال حيث كان مصاب أصحابه فترحم عليهم ، ودعا لهم فسمعت به بنو لحيان فهربوا في رؤوس الجبال فلم يقدر منهم على أحد ، فأقام يوما أو يومين ، فبعث السرايا في كل ناحية ، فلم يقدروا على أحد .

فلما أخطأه من غرتهم ما أراد ، قال : «لو أنا هبطنا عسفان لرأى أهل مكة أنا قد جئنا مكة»

فهبط في أصحابه حتى نزلوا عسفان . قال ابن إسحاق : ثم بعث فارسين ، وقال ابن عمر ، وابن سعد : بعث أبا بكر - رضي الله عنه - في عشرة فوارس لتسمع به قريش فيذعرهم ، فأتوا كراع الغميم ، ثم رجعوا ولم يلقوا أحدا وراح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قافلا

قال جابر فيما رواه ابن سعد : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول حين رجع : «آئبون تائبون - إن شاء الله تعالى - لربنا حامدون»

وفي رواية «لربنا عابدون ، أعوذ بالله من وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، وسوء المنظر في الأهل والمال» . زاد محمد بن عمر : «اللهم بلغنا بلاغا صالحا يبلغ إلى خير مغفرتك ورضوانك»

قالوا : وهذا أول ما قال هذا الدعاء .

وغاب صلى الله عليه وسلم عن المدينة أربع عشرة ليلة ، وقال كعب بن مالك - رضي الله عنه - في هذه الغزوة :


لو أن بني لحيان كانوا تناظروا لقوا عصبا في دارهم ذات مصدق     لقوا سرعان يملأ السرب روعه
أمام طحون كالمجرة فيلق     ولكنهم كانوا وبارا تتبعت
شعاب حجان غير ذي متنفق

التالي السابق


الخدمات العلمية