سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر بلوغ خبر خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين

روى الخرائطي في الهواتف عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما توجه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يريد مكة عام الحديبية ، قدم عليه بشر - بكسر الموحدة والمعجمة - بن سفيان العتكي ، فقال له : «يا بشر هل عندك علم أن أهل مكة علموا بمسيري ؟ »

فقال بأبي أنت وأمي يا رسول الله إني لأطوف بالبيت في ليلة كذا وقريش في أنديتها ، إذ صرخ صارخ من أعلى جبل أبي قبيس - ليلة أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالمسير بصوت أسمع أهل مكة :


هيوا لصاحبكم مثلي صحابته سيروا إليه وكونوا معشرا كرما     بعد الطواف وبعد السعي في مهل
وأن يحوزهم من مكة الحرما     شاهت وجوهكم من معشر تكل
لا ينصرون إذا ما حاربوا صنما

فارتجت مكة ، واجتمع المشركون ، وتعاقدوا ألا يدخل عليهم بمكة في عامهم هذا ، فبلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -

فقال : «هذا الهاتف سلفع . شيطان الأصنام يوشك أن يقتله الله - تعالى - إن شاء الله عز وجل»

فبينما هم كذلك إذ سمعوا من أعلى الجبل صوتا وهو يقول :


شاهت وجوه رجال حالفوا صنما     وخاب سعيهم ما قصر الهمما
إني قتلت عدو الله سلفعة     شيطان أوثانكم سحقا لمن ظلما
وقد أتاكم رسول الله في نفر     وكلهم محرم لا يسفكون دما

قالوا : ولما بلغ المشركين خروج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - راعهم ذلك فاجتمعوا وتشاوروا فقالوا :

أيريد محمد أن يدخلها علينا في جنوده معتمرا فتسمع العرب أنه قد دخل علينا عنوة ، وبيننا وبينه من الحرب ما بيننا ؟ ! والله لا كان هذا أبدا ومنا عين تطرف .

ثم قدموا خالد بن الوليد في مائتي فارس إلى كراع الغميم ، واستنفروا من أطاعهم من الأحابيش ، وأجلبت ثقيف معهم وخرجوا إلى بلدح ، وضربوا بها القباب والأبنية ، ومعهم النساء والصبيان ، فعسكروا هناك ، وأجمعوا على منع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دخول مكة ومحاربته ، ووضعوا العيون على الجبال ، وهم عشرة أنفس يوحي بعضهم إلى بعض الصوت الخفي فعل [ ص: 37 ] محمد كذا وكذا ، حتى ينتهي إلى قريش ببلدح ورجع بشر بن سفيان الذي بعثه عينا له من مكة وقد علم خبر مكة والقوم ، فلقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بغدير الأشطاط وراء عسفان فقال :

يا رسول الله!! هذه قريش سمعت بمسيرك ، فخرجوا ومعهم العوذ المطافيل ، قد لبسوا جلود النمور ، وقد نزلوا بذي طوى يعاهدون الله لا تدخلها عليهم أبدا ، وهذا خالد بن الوليد في خيلهم قد قدمها إلى كراع الغميم ،

فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : «يا ويح قريش لقد أكلتهم الحرب ، ماذا عليهم لو خلوا بيني وبين سائر العرب ، فإن هم أصابوني كان ذلك الذي أرادوا ، وإن أظهرني الله تعالى عليهم دخلوا في الإسلام وافرين وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة ، فما تظن قريش ؟ فو الله لا أزال أجاهدهم على الذي بعثني الله تعالى به حتى يظهره الله - تعالى - أو تنفرد هذه السالفة» .

التالي السابق


الخدمات العلمية