سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد

الصالحي - محمد بن يوسف الصالحي الشامي

صفحة جزء
ذكر مبايعته - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان وفضل من بايع

قالوا : لما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن عثمان قد قتل دعا الناس إلى البيعة ، وقال : «لا نبرح حتى نناجز القوم» وأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منازل بني مازن بن النجار ، وقد نزلت في ناحية من الحديبية ، فجلس في رحالهم تحت شجرة خضراء ثم قال : «إن الله - تعالى - أمرني بالبيعة»

فأقبل الناس يبايعونه حتى تداكوا فما بقي لبني مازن متاع إلا وطئ ، ثم لبسوا السلاح وهو معهم قليل ، وقامت أم عمارة إلى عمود كانت تستظل به فأخذته بيدها وشدت سكينا في وسطها
وروى ابن جرير وابن أبي حاتم عن سلمة بن الأكوع والبيهقي عن عروة ، وابن إسحاق عن الزهري ، ومحمد بن عمر عن شيوخه ، قال سلمة : بينا نحن قائلون إذ نادى منادي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «أيها الناس البيعة البيعة ، نزل روح القدس فاخرجوا على اسم الله» قال [ ص: 49 ]

سلمة : «فسرنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه
.

وفي صحيح مسلم عنه قال : فبايعته أول الناس ، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من الناس قال : «بايع يا سلمة» قال : قلت : قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس قال : «وأيضا» قال : ورآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عزلا فأعطاني حجفة - أو درقة - ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال : «ألا تبايعني يا سلمة ؟ » قال : قلت : يا رسول الله قد بايعتك في أول الناس ، وفي وسط الناس ، قال : «وأيضا» فبايعته الثالثة ، ثم قال لي : «يا سلمة أين حجفتك - أو درقتك - التي أعطيتك ؟ » قال : قلت : يا رسول الله ، لقيني عمي عامر عزلا فأعطيته إياها ، قال : فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال : إنك كالذي قال الأول : اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي ،

وفي صحيح البخاري عنه قال :

بايعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ، قيل : على أي شيء كنتم تبايعون قال : على الموت . وفي صحيح البخاري عن نافع قال : إن ابن عمر أسلم قبل أبيه ، وليس كذلك ، ولكن عمر يوم الحديبية أرسل عبد الله إلى فرس له عند رجل من الأنصار يأتي به ليقاتل عليه ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع عند الشجرة وعمر لا يدري بذلك ، فبايعه عبد الله ، ثم ذهب إلى الفرس فجاء به إلى عمر وعمر يستلئم للقتال فأخبره أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يبايع تحت الشجرة ، قال : فانطلق فذهب معه حتى بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي التي يتحدث الناس أن ابن عمر أسلم قبل عمر .

وفيه أيضا عن نافع عن ابن عمر أن الناس كانوا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الحديبية تفرقوا في ظلال الشجر فإذا الناس محدقون بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال عمر : يا عبد الله انظر ما شأن الناس أحدقوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذهب فوجدهم يبايعونه فبايع ، ثم رجع إلى عمر فخرج فبايع .

وروى الطبراني عن عطاء بن أبي رباح قال : قلت لابن عمر : أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : نعم . قلت : فما كان عليه ؟ قال : قميص من قطن ، وجبة محشوة ، ورداء وسيف ، ورأيت النعمان بن مقرن - بميم مضمومة فقاف مفتوحة فراء مشددة مكسورة - المازني قائما على رأسه ، قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه يبايعونه .

وفي صحيح مسلم عن جابر قال : بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعمر آخذ بيده تحت شجرة - وهي سمرة - فبايعناه غير الجد بن قيس الأنصاري اختفى تحت بطن بعيره . وعند ابن إسحاق [ ص: 50 ] عن جابر بن عبد الله : فكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقته قد خبأ إليها يستتر بها من الناس بايعناه على ألا نفر ، ولم نبايعه على الموت .

وفيه - أيضا - عنه : لقد رأيتني يوم الشجرة والنبي - صلى الله عليه وسلم - يبايع الناس وأنا رافع غصن من أغصانها عن رأسه ولم نبايعه على الموت ولكن بايعناه على ألا نفر .

وروى الطبراني عن ابن عمر والبيهقي عن الشعبي ، وابن منده عن زر بن حبيش قالوا : لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الناس إلى البيعة كان أول من انتهى إليه أبو سنان الأسدي ، فقال :

ابسط يدك أبايعك ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «علام تبايعني» قال : على ما في نفسك . زاد ابن عمر : فقال النبي : وما في نفسي ؟ قال : أضرب بسيفي بين يديك حتى يظهرك الله أو أقتل .

فبايعه ، وبايعه الناس على بيعة أبي سنان
.

وروى البيهقي عن أنس وابن إسحاق عن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال : لما أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ببيعة الرضوان كان بعث عثمان - رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل مكة ، فبايع الناس ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «اللهم إن عثمان في حاجتك وحاجة رسولك ، فضرب بإحدى يديه على الأخرى ، فكانت يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعثمان خيرا من أيديهم لأنفسهم .

وروى البخاري وابن مردويه عن طارق بن عبد الرحمن قال : انطلقت حاجا فمررت بقوم يصلون فقلت : ما هذا ؟ قالوا : هذه الشجرة حيث بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيعة الرضوان .

فأتيت سعيد بن المسيب فأخبرته ، فقال سعيد : حدثني أبي أنه كان فيمن بايع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تحت الشجرة ، فلما خرجنا من العام المقبل نسيناها فلم نقدر عليها ، فقال سعيد : إن أصحاب محمد لم يعلموها وعلمتموها أنتم ، فأنتم أعلم .

وروى ابن سعد بسند جيد عن نافع قال : خرج قوم من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد ذلك بأعوام فما عرف أحد منهم الشجرة ، واختلفوا فيها . قال ابن عمر : كانت رحمة من الله .

وروى ابن أبي شيبة في المصنف وابن سعد عن نافع قال : بلغ عمر بن الخطاب أن ناسا يأتون الشجرة التي بويع تحتها فيصلون عندها فتوعدهم ، ثم أمر فقطعت .

وروى البخاري وابن مردويه عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب : كم كان الذين [ ص: 51 ] شهدوا بيعة الرضوان ؟ قال : خمس عشرة مائة ، قلت فإن جابر بن عبد الله قال : أربع عشرة مائة ، قال : يرحمه الله توهم ، هو حدثني أنهم كانوا خمس عشرة مائة .

وروى الشيخان ، وابن جرير عن عبد الله بن أبي أوفى قال : كان أصحاب الشجرة ألفا وثلاثمائة ، وكانت أسلم ثمن المهاجرين .

أفاد الواقدي أن أسلم كانت في الحديبية مائة رجل .

وروى سعيد بن منصور والشيخان عن جابر بن عبد الله قال : كنا يوم الحديبية ألفا وأربعمائة فقال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - «أنتم خير أهل الأرض» .

وروى الإمام أحمد ، وأبو داود ، والترمذي عن جابر بن عبد الله ، ومسلم عن أم مبشر - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : «لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة»



وروى الإمام أحمد بسند - رجاله ثقات - عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : لما كان يوم الحديبية قال لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «لا توقدوا نارا بالليل» فلما كان بعد ذلك قال : «أوقدوا واصطنعوا فإنه لا يدرك قوم بعدكم صاعكم ولا مدكم» .

فلما نظر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى ، ومكرز بن حفص ، ومن كان معهم من عيون قريش من سرعة الناس إلى البيعة وتشميرهم إلى الحرب اشتد رعبهم وخوفهم ، وأسرعوا إلى القضية .

ثم أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الذي ذكر من أمر عثمان باطل» .

التالي السابق


الخدمات العلمية