صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

476 - خيثمة بن عبد الرحمن بن أبي سبرة ، واسمه يزيد بن مالك الجعفي :

أدرك علي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وعبد الله بن عمر ، وعدي بن حاتم ، والنعمان بن بشير في آخرين من الصحابة .

وكان عالما عابدا زاهدا ، ورث مائتي ألف درهم فأنفقها على الفقهاء والقراء .

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني ، قال: حدثنا أبو حامد بن جبلة ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق ، قال: حدثنا هناد ، قال: حدثنا أبو معاوية ، قال: حدثنا الأعمش ، قال:

ربما دخلنا على خيثمة فيخرج العسكر من تحت السرير عليها الخبيص والفالوذج ، فيقول: ما أشتهيه ، كلوا أما إني ما جعلته إلا لكم .

وكان موسرا ، وكان يصر الدراهم ، فإذا رأى الرجل من أصحابه متخرق القميص أو الرداء أو به خلة تحينه ، فإذا خرج من الباب خرج هو من باب آخر حتى يلقى فيقول: اشتر قميصا ، اشتر رداء ، اشتر حاجة كذا .

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، قال: حدثنا حمد بن أحمد الحداد ، قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن علي ، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، قال: حدثني خلاد بن أسلم ، قال: حدثنا سعيد بن خيثم ، [قال:

حدثنا] محمد بن خالد الضبي ، قال: [ ص: 214 ]

لم نكن ندري كيف يقرأ خيثمة القرآن حتى مرض فثقل ، فجاءته امرأته فجلست بين يديه فبكت ، فقال لها: ما يبكيك؟ الموت لا بد منه ، فقالت له المرأة: الرجال بعدك علي حرام ، فقال لها خيثمة: ما كل هذا أردت منك ، إنما كنت أخاف رجلا واحدا وهو أخي محمد بن عبد الرحمن ، وهو رجل فاسق يتناول الشراب فكرهت أن يشرب في بيتي الشراب بعد أن القرآن يتلى فيه كل ثلاث .

قال عبد الله بن أحمد: وحدثنا عثمان بن أبي شيبة ، قال: وحدثنا معاوية بن هشام ، عن سفيان ، عن رجل ، عن خيثمة أنه أوصى أن يدفن في مقبرة فقراء قومه .

477 - عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ، ويكنى أبا جعفر :

وأمه أسماء بنت عميس . ولد بأرض الحبشة لما هاجر والداه إليها ، وقال: أنا أحفظ حين دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أمي فنعى لها أبي فأنظر إليه وهو يمسح على رأسي ورأس أخي وعيناه تهراقان بالدموع حتى تقطر على لحيته ، ثم قال: "اللهم إن جعفر قد قدم إلى أحسن الثواب فاخلفه في ذريته بأحسن ما خلفت أحدا من عبادك في ذريته" . أخبرنا محمد بن أبي طاهر البزاز ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا ابن حيويه ، قال: أخبرنا ابن معروف ، قال: أخبرنا ابن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي ، قال: حدثنا سفيان الثوري ، عن منصور بن ربعي بن خراش ، عن عبد الله بن شداد ، أن عليا قال لعبد الله بن جعفر رضي الله عنهما: ألا أعلمك كلمات لم أعلمهن حسنا ولا حسينا: إذا سألت الله مسألة فأردت أن تنجح فقل: لا إله إلا الله وحده لا شريك له العلي العظيم ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له الحليم الكريم . أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا هبة الله بن أحمد الموصلي ، قال: أخبرنا عبد الملك بن محمد بن بشران ، قال: حدثنا أبو سهل أحمد بن محمد بن زياد ، قال: [ ص: 215 ]

حدثنا إسحاق بن محمد بن أحمد النخعي ، قال: حدثنا داود بن الهيثم ، عن أبيه ، عن إسحاق بن عبد الله بن جعفر ، قال:

جاءت امرأة إلى عبد الله بن جعفر ، فقالت له: يا سيدي ، وهبت لي بعض جاراتي بيضة فحضنتها تحت ثديي حتى خرجت فروجة ، فغذوتها بأطيب الطعام حتى بلغت وقد ذبحتها وشويتها وكفنتها برقاقتين وجعلت لله علي أن أدفنها في أكرم بقعة في الأرض ولا أعلم والله بقعة أكرم من بطنك . فكلها . فقال: يا بديح ، خذها منها وامض فانظر إلى الدار التي هي فيها ، فإن كانت لها فاشتر لها ما حولها من الدور ، وإن لم تكن لها فاشترها واشتر لها ما حولها . فذهب ثم رجع فقال: قد اشتريت الدار لها وما حواليها ، فقال: احمل لها على ثلاثين بعير حنطة وشعيرا وأرزا وزبيبا وتمرا ودراهم ودنانير . قالت العجوز: لا تسرف ، إن الله لا يحب المسرفين .

قال النخعي: وأخبرني داود بن الهيثم ، عن أبيه ، عن جده ، عن إسحاق: أن أعرابيا أتى عبد الله بن جعفر وهو محموم ، فأنشأ يقول:


كم لوعة للندى وكم قلق للجود والمكرمات من قلقك     ألبسك الله منه عافية
في يومك المعترى وفي أرقك     أخرج من جسمك السقام كما
أخرج دم الفعال من عنقك

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا الحسن بن مطر الحنبلي ، قال: أخبرنا محمد بن عبد الله ابن أخي ميمي ، قال: حدثنا البغوي ، قال: حدثنا محمد بن قدامة ، قال: أخبرنا أبو أسامة ، قال: حدثنا هشام ، عن ابن سيرين ، قال:

جلب رجل سكرا إلى المدينة ، فكسد عليه ، فذكر ذلك لعبد الله بن جعفر ، فأمر قهرمانه أن يشتريه وينهبه الناس .

أخبرتنا شهدة بنت [أحمد] الكاتبة ، قال: أخبرنا أبو محمد جعفر بن أحمد [ ص: 216 ] السراج ، قال: حدثنا أبو علي محمد بن الحسن الجازري إجازة إن لم يكن سماعا ، قال: حدثنا المعافى بن زكريا ، قال: حدثنا أبو النضر العقيلي ، عن جماعة من مشايخ أهل المدينة ، قالوا:

كانت عند عبد الله بن جعفر جارية مغنية يقال لها: عمارة ، وكان يجد بها وجدا شديدا ، وكان لها منه مكان لم يكن لأحد من جواريه ، فلما وفد عبد الله بن جعفر على معاوية وخرج بها معه ، فزاره يزيد ذات يوم فأخرجها إليه ، فلما نظر إليها وسمع غناءها وقعت في نفسه ، فأخذه عليها ما لا يملكه ، وجعل لا يمنعه من أن يبوح بما يجد بها إلا مكان أبيه مع يأسه من الظفر بها ، فلم يزل يكاتم أمرها إلى أن مات معاوية ، وأفضى الأمر إليه ، فاستشار بعض من قدم عليه من أهل المدينة وعامة من يثق به في أمرها ، وكيف الحيلة فيها ، فقيل له: إن أمر عبد الله بن جعفر لا يرام ، ومنزله من الخاصة ومن العامة ومنك ما قد علمت ، وأنت لا تستحسن إكراهه ، وهو لا يبيعها بشيء أبدا ، وليس يغني في هذا إلا الحيلة .

فقال: انظروا لي رجلا عراقيا له أدب وظرف ومعرفة ، فطلبوه ، فأتوه به . فلما دخل رأى بيانا وحلاوة وفهما ، فقال يزيد: إني دعوتك لأمر إن ظفرت به فهو حظك عندي آخر الدهر ، ويد أكافئك عليها إن شاء الله . ثم أخبره بأمره ، فقال له: إن عبد الله [ابن جعفر] لا يرام ما قبله إلا بالخديعة ، ولن يقدر أحد على ما سألت فأرجو أن أكونه ، والقوة بالله ، فأعني بالمال . قال: خذ ما أحببت ، فأخذ من طرف الشام وثياب مضر ، واشترى متاعا للتجارة من رقيق ودواب وغير ذلك ، ثم شخص إلى المدينة ، فأناخ بعرصة عبد الله بن جعفر ، واكترى منزلا إلى جانبه ، ثم توسل إليه ، وقال: رجل من أهل العراق قدمت بتجارة فأحببت أن أكون في عز جوارك وكنفك إلى أن أبيع ما جئت به ، فبعث عبد الله بن جعفر إلى قهرمانه: أن أكرم الرجل ووسع عليه في منزله فأنزله . [ ص: 217 ]

فلما اطمأن العراقي سلم عليه وعرفه نفسه ، وهيأ له بغلة فارهة وثيابا من ثياب العراق وألطافا ، فبعث بها إليه ، وكتب معها: يا سيدي ، إني رجل تاجر ، ونعم الله علي سابغة ، وقد بعثت إليك بشيء من طرف وكذا من الثياب والعطر ، وبعثت ببغلة خفيفة العنان وطية الظهر ، وأنا أسألك بقرابتك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا قبلت هديتي ، ولا توحشني بردها ، إني أدين لله تعالى بحبك وحب أهل بيتك ، وإن أعظم أملي في سفرتي أن أستفيد الأنس بك ، والتحرم بمواصلتك . فأمر عبد الله بقبض هديته وخرج إلى الصلاة ، فلما رجع مر بالعراقي في منزله ، فقام إليه وقبل يده ، فرأى أدبا وظرفا وفصاحة ، فأعجب به وسر بنزوله عليه ، فجعل العراقي في كل يوم يبعث إلى عبد الله بطرف ، فقال عبد الله: جزى الله ضيفنا هذا خيرا ، قد ملأنا شكرا وما نقدر على مكافأته . فإنه لكذلك إلى أن دعاه عبد الله ، ودعا بعمارة في جواريه ، فلما طاب لهما المجلس وسمع غناء عمارة تعجب وجعل يزيد في عجبه ، فلما رأى كذلك عبد الله سر به إلى أن قال:

هل رأيت مثل عمارة؟ قال: لا والله يا سيدي ما رأيت مثلها ، وما تصلح إلا لك ، وما ظننت أن تكون في الدنيا مثل هذه الجارية ، حسن وجه ، وحسن عمل ، قال: فكم تساوي عندك؟ قال: ما لها ثمن إلا الخلافة ، فقال: تقول هذا لتزين لي رأيي فيها وتجلب سروري ، قال له: يا سيدي ، والله إني لأحب سرورك وما قلت لك إلا الجد ، وبعد فإني تاجر أجمع الدرهم على الدرهم طلبا للربح ، ولو أعطيتها بعشرة آلاف دينار لأخذتها ، فقال عبد الله: عشرة آلاف؟ قال: نعم . ولم يكن في ذلك الزمان جارية تعرف بهذا الثمن . فقال له عبد الله: أنا أبيعكها بعشرة آلاف ، قال: قد أخذتها ، قال: هي لك ، قال: قد وجب البيع .

وانصرف العراقي ، فلما أصبح عبد الله لم يشعر إلا بالمال قد وافى به ، فقيل لعبد الله: قد بعث العراقي بعشرة آلاف دينار وقال: هذا ثمن عمارة ، فردها وكتب إليه إنما كنت أمزح معك ، وإنما أعلمك أن مثلي لا يبيع مثلها . فقال: جعلت فداك ، إن الجد والهزل في البيع سواء ، فقال له عبد الله: ويحك ما أعلم جارية تساوي ما بذلت ، ولو [ ص: 218 ] كنت بايعها من أحد لآثرتك ولكني كنت مازحا وما أبيعها بملك الدنيا لحرمتها بي وموضعها من قلبي ، فقال العراقي: إن كنت مازحا فإني كنت جادا ، وما اطلعت على ما في نفسك ، وقد ملكت الجارية وبعثت إليك بثمنها ، وليست تحل لك ، وما لي من أخذها بد ، فمانعه أياما ، فقال: ليست لي بينة ولكني استحلفك عند قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومنبره .

فلما رأى عبد الله الجد ، قال: بئس الضيف أنت ، ما طرقنا طارق ولا نزل بنا نازل أعظم بلية منك ، أتحلفني فيقول الناس: اضطهد عبد الله ضيفه وقهره فألجأه إلى أن استحلفه ، أما والله ليعلمن الله -عز وجل- أني سأبليه في هذا الأمر الصبر وحسن العزاء ، ثم أمر قهرمانه بقبض المال منه وتجهيز الجارية . فجهزت بنحو من ثلاثة آلاف دينار ، وقال: هذا لك ولك عوضا مما ألطفتنا ، والله المستعان .

فقبض العراقي الجارية وخرج بها ، فلما برز من المدينة قال لها: يا عمارة ، إني والله ما ملكتك قط ولا أنت لي ، ولا مثلي يشتري جارية بعشرة آلاف دينار ، وما كنت لأقدم على ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأسلبه أحب الناس إليه لنفسي ، ولكني دسيس من يزيد بن معاوية ، وأنت له ، وفي طلبك بعث بي ، فاستتري مني ، فإن داخلني الشيطان في أمرك أو تاقت نفسي إليك فامتنعي .

ثم مضى بها حتى ورد دمشق ، فتلقاه الناس بجنازة يزيد وقد استخلف ابنه معاوية بن يزيد ، فأقام أياما ثم تلطف للدخول إليه فشرح له القصة .

ويروى أنه لم يكن أحد من بني أمية يعدل بمعاوية بن يزيد في زمانه نبلا ونسكا ، فلما أخبره قال: هي لك وكل ما دفعه إليك من أمرها فهو لك ، فارحل من يومك فلا أسمع بخبرك في شيء من بلاد الشام .

فرحل العراقي ثم قال للجارية: إني قد قلت لك ما قلت حين خرجت بك من المدينة ، فأخبرتك أنك ليزيد وقد صرت لي ، وأنا أشهد الله أنك لعبد الله بن جعفر ، وإني قد رددتك عليه فاستتري مني . ثم خرج بها حتى قدم المدينة ، فنزل قريبا من عبد الله ، فدخل عليه بعض خدمه فقال له: هذا العراقي ضيفك الذي صنع ما صنع ، وقد نزل العرصة لا حياه الله . فقال عبد الله: مه ، أنزلوا الرجل وأكرموه ، فلما استقر بعث

[ ص: 219 ]

إلى عبد الله: جعلت فداك إن رأيت أن تأذن لي أذنة خفيفة لأشافهك بشيء فعلت ، فأذن له ، فلما دخل عليه قبل يده وقربه عبد الله ، ثم قص عليه القصة حتى إذا فرغ قال: والله وهبتها لك قبل أن أراها أو أضع يدي عليها فهي لك ومردودة عليك ، وقد علم الله تعالى أني ما رأيت لها وجها إلا عندك ، وبعث إليها فجاءت ، وجاء بما جهزها به موفرا .

فلما نظرت إلى عبد الله خرت مغشية عليها ، وأهوى إليها عبد الله فضمها إليه ، وخرج العراقي ، وتصايح أهل الدار: عمارة عمارة . فجعل عبد الله يقول ودموعه تجري: أحلم هذا ، أحق هذا ، أصدق هذا ، فقال العراقي: ردها عليك إيثارك الوفاء ، وصبرك على الحق وانقيادك له . فقال عبد الله: الحمد لله ، اللهم إنك تعلم أني قد تصبرت عنها وآثرت الوفاء ، وأسلمت لأمرك فرددتها على يمنك ، فلك الحمد . ثم قال:

يا أخا العراق ، ما على الأرض أعظم منة منك ، وسيجازيك الله تعالى . وأقام العراقي أياما وباع عبد الله غنما بثلاثة عشر ألف دينار ، وقال لقهرمانه: احملها إليه ، وقل له: أعذر عبد الله ، واعلم أني لو وصلتك بكل ما أملك لرأيتك أهلا لأكثر منه ، فرحل العراقي محمودا .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ، ومحمد بن ناصر ، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو محمد يحيى بن الحسن بن المقتدر القاضي ، قال: أخبرنا إسماعيل بن سعيد بن سويد ، قال: حدثنا أبو بكر بن الأنباري ، قال: حدثنا محمد بن أحمد المقري ، قال: حدثنا عبد الله بن عمر ، قال: حدثنا علي بن محمد بن سليمان النوفلي ، عن أبيه ، عن مشيخة له ، قالوا:

لما أمسك عبد الملك بن مروان يده عن عبد الله بن جعفر واحتاج وضاق إضاقة شديدة ، فكان يصلي في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشاء الآخرة ، ويقيم في المسجد إلى أن لا يبقى فيه أحد ، فدنا منه ذات ليلة رجل ، فشكى إليه الحاجة ، فقال له: أنا في إضاقة غير أن لك علي وعدا إذا جاءني شيء من غلتي أن أعطيك ، قال: أنا مرهق لا أجد سبيلا إلى الصبر ، قال: أيقنعك أخذ ثوبي هذين - وكان عليه بردان يمانيان - قال: نعم ، قال: فما لبث حتى انصرف ، فلما انصرف دفع إليه البرد ثم استقبل القبلة ، فقال: اللهم إنه [ ص: 220 ] لم يكن إلا ما أرى فاقبضني إليك . فحم ولم يخرج من منزله بعد هذا حتى خرجت جنازته .

وتوفي عبد الله بالمدينة في هذه السنة ، وكان الوالي على المدينة أبان بن عثمان في خلافة عبد الملك ، وهو صلى عليه وكان عمره تسعين سنة .

478 - عبد الله بن أبي الهذيل ، أبو المغيرة :

سمع من عمار ، وخباب ، وعبد الله بن عمرو ، وأبي هريرة وجرير ، وابن عباس ، وابن أبزى . وأرسل الحديث عن أبي بكر ، وعمر ، وعلي ، وابن مسعود .

وكان شديد الخوف من الله تعالى ، كأنه مذعور .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أحمد بن عبد الله ، قال: حدثنا أبو بكر بن حيان ، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسين ، قال: حدثنا أبو سعيد الأشج ، قال: حدثنا عبد الله بن خراش ، عن العوام بن حوشب ، عن عبد الله بن الهذيل أنه قال:

لقد شغلت النار من يعقل عن ذكر الجنة .

479 - عبيد الله بن أبي بكرة :

ولي سجستان أيام زياد بن أبي سفيان ، وغزا رتبيل في أيام الحجاج .

وتوفي في هذه السنة .

وكان جوادا ، وذكر ابن قتيبة في المعارف : أن أول من قرأ بالألحان عبيد الله بن أبي بكرة .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك ، ومحمد بن ناصر ، قالا: أخبرنا أبو الحسين بن [ ص: 221 ] عبد الجبار ، قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري ، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، قال: أخبرنا أبو بكر بن الأنباري ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا أحمد بن عبيد ، قال: أخبرنا المدائني ، قال:

كان عبيد الله بن أبي بكرة يوما جالسا مع أصحابه ، فأتي بوصيف ووصيفة أهديا إليه ، فقال لبعض جلسائه: خذهما إليك . ثم فكر فقال: إيثار بعض الجلساء على بعض قبيح ، فقال: يا غلمان ، يضم إلى كل واحد من جلسائنا وصيف ووصيفة ، فضم إليهم ثمانين بين وصيف ووصيفة .

أنبأنا محمد بن عبد الباقي البزاز ، قال: أنبأنا أبو القاسم علي بن المحسن التنوخي ، عن أبيه ، أن شيخا من أهل الكوفة قال:

أملقت حتى نقضت منزلي ، فلما اشتد علي الأمر جاءتني الخادمة فقالت: والله ما لنا دقيق ولا معنا ثمنه . فقلت: أسرجي حماري ، فأسرجته ، فخرجت هاربا حتى انتهيت إلى البصرة ، فلما شارفتها فإذا أنا بالموكب مقبل ، فدخلت في جملتهم ، فرجعت الخيل تريد البصرة ، فصرت معهم حتى دخلتها ، وانتهى صاحب الموكب إلى منزله ، فنزل ، ونزل الموكب ، ونزلت معهم ، ودخلنا فإذا الدهليز مفروش والناس جلوس مع الرجل ، فدعا بغداء ، فجاءوه بأحسن غداء ، فتغديت مع الناس ، ثم دعا بالغالية فضمخنا ، ثم قال: يا غلمان ، هاتوا سفطا ، فجاء غلمانه بسفط أبيض مشدود ، ففتح فإذا فيه أكياس مشدودة ، في كل كيس ألف درهم ، فبدأ يعطي فأمرها عليهم ، ثم انتهى إلي [فأعطاني كيسا ، ثم ثنى فأعطاني آخر ، ثم ثلث] فأعطاني آخر ، فأخذت الجماعة وبقي في السفط كيس واحد ، فأخذه بيده وقال: هاك يا هذا الذي لا أعرفه ، فأخذت أربعة أكياس ، وخرجت ، فقلت لإنسان: من هذا؟ فقال: عبيد الله بن أبي بكرة .

وبلغنا أن رجلا انقطع إلى عبيد الله بن أبي بكرة ، فألحقه بحشمه ، وكفاه مئونته ، فبطر النعمة ، فسعى به إلى عبيد الله بن زياد ، فبلغ ذلك ابن أبي بكرة ، فأطرق مفكرا ، [ ص: 222 ] فقيل له: فيم فكرت ؟ فقال: أخاف أن أكون قصرت في الإحسان إليه فحملته على مساوئ أخلاقه .

480 - معاوية بن قرة بن إياس ، يكنى أبا إياس :

روى عن أنس ، وابن عباس وغيرهما .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو نعيم الأصفهاني ، قال: حدثنا أبي ، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عيسى ، قال: حدثنا عيسى بن خالد ، قال: حدثنا أبو اليمان ، قال: حدثنا إسماعيل بن عياش ، عن تمام بن نجيح ، عن معاوية بن قرة ، قال :

أدركت سبعين رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، لو خرجوا فيكم اليوم ما عرفوا شيئا مما أنتم عليه إلا الآذان .

قال أبو نعيم: وحدثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ، قال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن ، قال: حدثنا أبو كريب ، قال: حدثنا المحاربي ، عن عبيد الله بن ميمون ، قال: سمعت معاوية بن قرة يقول :

إن الله يرزق العبد رزق شهر في يوم واحد ، فإن أصلحه أصلح الله على يديه ، وعاش هو وعياله بقية شهرهم في خير ، وإن هو أفسده أفسد الله تعالى عليه وعاش هو وعياله بقية شهرهم بشر .

481 - همام بن الحارث النخعي :

روى عن عمر ، وابن مسعود ، وأبي مسعود ، وحذيفة ، وأبي الدرداء ، وعدي بن حاتم ، وجرير ، وعائشة . [ ص: 223 ]

وكان الناس يتعلمون من هديه وسمته . وكان طويل السهر .

أخبرنا محمد بن ناصر ، قال: أخبرنا جعفر بن محمد ، قال: أخبرنا الحسن بن علي التميمي ، قال: أخبرنا أبو بكر بن مالك ، قال: أخبرنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، قال: حدثنا عبد الصمد ، قال: حدثنا حرب بن شداد ، قال: حدثنا حصين ، عن إبراهيم ، عن همام بن الحارث:

أنه كان يدعو: اللهم اشفني من النوم بالسهر ، وارزقني سهرا في طاعتك ، وكان لا ينام من الليل إلا هنيهة وهو قاعد . [ ص: 224 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية