صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

529 - سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب بن عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة:

وكل من كان منسوبا إلى عائذ بن عمران فهو عائذي ، بالذال المعجمة . ومن نسب إلى عمرو بن مخزوم فهو عائدي بالدال المهملة . وقد يقال عائذي بالذال المعجمة نسبة إلى عائذ الله بن سعيد ، منهم حمزة العائذي ، وسعيد بن حنظلة العائذي ، وابن طلق العائذي . ويقال: عائذي نسبة إلى عائذ قريش ، منهم علي بن مسهر القاضي .

وقال أبو عبد الله الصوري: اجتمع في مخزوم عائد وعائذ ، وهما أبناء عم . فأما عائذ فهو ابن عمران بن مخزوم ، وأما عائد فهو ابن عمرو بن مخزوم ، وإذا جاء عمران فولده عايذ بالياء نقطتين من تحتها والذال المعجمة . وإذا جاء عمر ، فولده عابد بالباء واحدة ، والدال غير معجمة .

ويكنى سعيد أبا عبد الله ، ويقال: أبا عبد الملك . ويقال: أبا محمد . وجده حزن ، لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولد سعيد لسنتين خلتا من خلافة عمر ، وقال: أصلحت بين علي وعثمان ، وكان سعيد أفقه أهل الحجاز وأعبرهم للرؤيا .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا أبو سعيد محمد بن عبد الملك الأسدي ، قال:

أنبأنا أبو الحسين بن رزمة ، قال: أخبرنا عمر بن محمد بن سيف ، قال: حدثنا أبو عبد الله اليزيدي ، قال: حدثنا أحمد بن زهير ، قال: سمعت عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، يقول:

لما مات العبادلة - عبد الله بن عمر ، وعبد الله بن عباس ، وعبد الله بن عمرو ، وعبد الله بن الزبير - صار الفقه في جميع البلدان إلى الموالي ، فكان فقيه أهل مكة [ ص: 320 ] عطاء ابن أبي رباح ، وفقيه أهل اليمن طاووس ، وفقيه أهل اليمامة يحيى بن أبي كثير ، وفقيه أهل البصرة الحسن ، وفقيه [أهل] الشام المكحول ، وفقيه أهل خراسان عطاء الخراساني ، إلا المدينة فإن الله تعالى خصها بقرشي ، فكان فقيه أهل المدينة سعيد بن المسيب غير مدافع .

أخبرنا محمد بن طاهر ، قال: أخبرنا الجوهري ، قال: أخبرنا أبو عمر بن حيويه ، قال: أخبرنا أحمد بن معروف ، قال: أخبرنا الحسين بن الفهم ، قال: حدثنا محمد بن سعد ، قال: أخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثنا قدامة بن موسى الجمحي ، قال: كان سعيد بن المسيب يفتي وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحياء .

قال محمد بن سعد: وأخبرنا يزيد بن هارون ، والفضل بن دكين ، قالا: أخبرنا مسعر بن كدام ، عن سعد بن إبراهيم ، عن سعيد بن المسيب ، قال: ما بقي أحد أعلم بكل قضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر مني .

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الضحاك ، عن عثمان الحزامي ، عن مالك بن أنس: أن سعيد بن المسيب ولد في زمان عمر بن الخطاب ، وكان احتلامه عند مقتل عثمان ، وكان يقال لسعيد: رواية عمر بن الخطاب ، وكان يتتبع أقضية عمر بن الخطاب يتعلمها ، وإن كان عبد الله بن عمر ليرسل إليه يسأله عن القضاء من أقضية عمر فيخبره .

قال الزبير: وحدثني أبو مصعب الزهري ، قال: حدثني المغيرة بن عبد الله الأخنسي ، عن رجل من أهل البصرة ، قال:

كان الحسن بن أبي الحسن لا يدع شيئا من فعله بقول أحد حتى يقول إن سعيد بن المسيب قد قال خلافه فيأخذ به ويدع قوله . [ ص: 321 ]

قال: وأخبرنا محمد بن عمر ، قال: أخبرنا حارثة بن أبي عمران أنه سمع محمد بن يحيى بن حيان يقول:

كان رأس من بالمدينة في دهره والمقدم عليهم في الفتوى سعيد بن المسيب ، ويقال: فقيه الفقهاء .

قال: وأخبرنا محمد بن عمر ، قال: أخبرنا ثور بن يزيد ، عن مكحول ، قال: سعيد بن المسيب عالم العلماء .

قال: وأخبرنا عبد الله بن جعفر الرقي ، قال: حدثنا أبو المليح ، عن ميمون بن مهران ، قال: قدمت المدينة فسألت عن أفقه الفقهاء ، فدفعت إلى سعيد بن المسيب .

قال: وأخبرنا محمد بن عمر ، قال: حدثني هشام بن سعد ، قال: سمعت الزهري يقول: وسأله سائل عن من أخذ سعيد بن المسيب علمه ، قال: عن زيد بن ثابت ، وجالس سعد بن أبي وقاص ، وابن عباس ، وابن عمر ، ودخل على أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة وأم سلمة ، وكان قد سمع من عثمان وعلي وصهيب ومحمد بن مسلمة ، وجل روايته المسندة عن أبي هريرة ، وكان زوج ابنته .

قال: وأخبرني معن بن عيسى ، عن مالك ، قال: كان عمر بن عبد العزيز يقول:

ما كان في المدينة عالم إلا يأتيني بعلمه وأوتي بما عند سعيد بن المسيب .

أخبرنا ابن ناصر ، قال: أخبرنا عبد المحسن بن محمد ، قال: أخبرنا عبد الملك بن عبد الله بن سكين الفقيه ، قال: أخبرنا أبيض بن محمد بن أبيض ، قال ، حدثنا عبد الرحمن النسائي ، قال: حدثني أبو عبد الله الأسباطي ، قال: لما نزل الماء في عين سعيد بن المسيب قيل له: اقدحها ، قال: فعلى من أفتحها . [ ص: 322 ]

قال مؤلف الكتاب رحمه الله: وابتلي سعيد بن المسيب بالضرب . وذلك أن عبد الله بن الزبير ولى جابر بن الأسود الزهري المدينة ، فدعا الناس إلى بيعة ابن الزبير ، فقال سعيد: لا حتى يجتمع الناس ، فضربه ستين سوطا ، فبلغ ذلك ابن الزبير ، فكتب إليه يلومه ويقول: ما لنا ولسعيد ، دعه .

وكان عبد الملك قد خطب بنت سعيد لابنه الوليد ، فأبى ، فاحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد ، وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف .

أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي ، قال: أخبرنا أبو بكر محمد بن هبة الله الطبري ، قال: أخبرنا محمد بن الحسين بن الفضل قال: أخبرنا عبد الله بن جعفر بن درستويه ، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال: حدثنا زيد بن بشير الحضرمي ، قال:

حدثنا ضمام ، عن بعض أهل المدينة ، قال: لما كانت بيعة سليمان بن عبد الملك مع بيعة الوليد كره سعيد بن المسيب أن يبايع بيعتين ، فكتب صاحب المدينة إلى عبد الملك بن مروان يخبره أن سعيد بن المسيب كره أن يبايع لهما جميعا ، فكتب عبد الملك إلى صاحب المدينة . وما كان حاجتك إلى رفع هذا عن سعيد بن المسيب ، ما كنا نخاف منه ، فأما إذا ظهر ذلك وانتشر في الناس فادعه إلى ما دخل فيه من دخل في هذه البيعة ، فإن أبى فاجلده مائة سوط ، واحلق رأسه ولحيته ، وألبسه ثيابا من شعر ، وقفه على الناس في سوق المسلمين لئلا يجترئ علينا غيره .

فلما علم بعض من حضر من قريش سألوا الوالي أن لا يعجل عليه حتى يخوفه بالقتل فعسى أن يجيب ، فأرسلوا مولى له كان في الحرس ، قالوا: اذهب فأخفه بالقتل ، وأخبره أنه مقتول لعل ذلك يخيفه حتى يدخل فيما دخل فيه الناس . فجاءه مولاه وهو يصلي فبكى المولى ، فقال له سعيد: ما يبكيك؟ قال: يبكيني ما يراد بك ، قد جاء كتاب فيك إن لم تبايع قتلت ، فجئت لتطهر وتلبس ثيابا طاهرة ، وتفرغ من عهدك ، قال:

ويحك قد وجدتني أصلي ، فتراني كنت أصلي ولست بطاهر ، وثيابي غير طاهرة ، وأما ما ذكرت من العهد فإني أضل ممن أرسلك إن كنت بت ليلة ولم أفرغ من عهدي . [ ص: 323 ]

فانطلق ، فلما أتى الوالي دعوه فأبى أن يجيب ، فأمره بالتجريد ولبس ثيابا من شعر ، ثم جلده مائة سوط ، وحلق رأسه ولحيته ، ووقف فقال: لو كنت أعلم أنه ليس شيء إلا هذا ما نزعت ثيابي طائعا ، ولا أجبت إلى ذلك .

قال ضمام: فبلغني أن هشام بن إسماعيل كان إذا خطب الناس يوم الجمعة تحول إليه سعيد بن المسيب بوجهه ما دام يذكر الله -عز وجل- حتى إذا رفع يذكر عبد الملك ويمدحه ويقول فيه ما يقول أعرض عنه سعيد بوجهه ، فلما فطن له هشام أمر حرسيا أن يخصب وجهه إذا تحول عنه ، ففعل ذلك به ، فقال سعيد لهشام وأشار بيده إليه: هي ثلاث نحل . فما مر به إلا ثلاثة أشهر حتى عزل هشام .

ومعنى نحل: حسب .

[أنبأنا الحسين بن عبد الوهاب ، قال: أخبرنا ابن المسلمة ، قال:] أخبرنا المخلص ، قال: أخبرنا سليمان بن داود ، قال: أخبرنا الزبير بن بكار ، قال: حدثني عمي مصعب بن عبد الله ، قال:

كان سعيد بن المسيب لا يقبل بوجهه على هشام بن إسماعيل إذا خطب يوم الجمعة ، فأمر به هشام بعض أعوانه يعطفه عليه إذا خطب فأهوى العون يعطفه فأبى عليه فأخذه حتى عطفه ، فصاح سعيد ، يا هشام إنما [هي] أربع بعد أربع . فلما انصرف هشام قال: ويحكم جن سعيد ، فسئل سعيد: أي شيء أربع بعد أربع ، سمعت في ذلك شيئا؟ قال: لا ، فقيل: ما أردت بقولك؟ قال: إن جاريتي لما أردت المسجد ، قالت لي: إني رأيت هذه الليلة رؤيا فلا تخرج حتى أقصها عليك وتعبرها لي ، رأيت كأن موسى غطس عبد الملك في البحر ثلاث غطسات ، فمات في الثالثة ، فأولت أن عبد الملك مات ، وذلك أن موسى بعث على الجبارين بقتلهم ، وعبد الملك جبار هذه الأمة . قال: فلم قلت أربع بعد أربع؟ قال: مسافة مسير الرسول من دمشق إلى المدينة بالخبر . فمكثوا ثماني ليال ثم جاء رسول بموت عبد الملك . [ ص: 324 ]

تزويج بنت سعيد

أخبرنا المحمدان ابن ناصر ، وابن عبد الباقي ، قالا: أخبرنا حمد بن أحمد الحداد ، قال: أخبرنا أبو نعيم أحمد بن عبد الحافظ قال: أخبرنا عمر بن أحمد بن عثمان ، قال: أخبرنا عبد الله بن سليمان بن الأشعث ، قال: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن وهب ، قال: حدثني عمي عبد الله بن وهب ، عن عطاء وابن خالد ، عن ابن حرملة ، عن ابن أبي وداعة ، قال:

كنت أجالس سعيد بن المسيب ففقدني أياما ، فلما جئته ، قال: أين كنت؟ قلت: توفيت أهلي فاشتغلت بها ، قال: ألا أخبرتنا فشهدناها . قال: ثم أردت أن أقوم فقال: هل استحدثت امرأة؟ فقلت: يرحمك الله ، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ، فقال: أنا ، فقلت: أو تفعل؟ نعم ، ثم حمد الله وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم وزوجني على درهمين أو ثلاثة . قال: فقمت وما أدري [ما أصنع] من الفرح ، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر ممن آخذ؟ وممن أستدين؟ فصليت المغرب ، وكنت وحدي ، وقدمت عشائي أفطر خبزا وزيتا ، فإذا الباب يقرع ، فقلت: من هذا؟ قال: سعيد ، قال: فأفكرت في كل إنسان اسمه سعيد إلا سعيد بن المسيب ، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد ، فقمت فخرجت ، فإذا سعيد بن المسيب ، فإنه قد بدا له ، فقلت: يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فآتيك ، قال: لا ، أنت أحق أن تؤتى ، قلت: فما تأمر؟ قال: إنك كنت رجلا عزبا تزوجت فكرهت أن أبيتك الليلة وحدك ، وهذه امرأتك [قال:] فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ، ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب ورد الباب ، فسقطت المرأة من الحياء ، فاستوثقت من الباب ثم تقدمتها إلى القصعة التي فيها الزيت والخبز ، فوضعتها في ظل السراج لكيلا تراه ، ثم صعدت إلى السطح فرميت الجيران [ ص: 325 ] فجاءوني ، فقالوا: ما شأنك؟ قلت: ويحكم ، زوجني سعيد بن المسيب بنته اليوم وقد جاء بها على غفلة ، فقالوا: سعيد بن المسيب زوجك؟ قلت: نعم . وهو ذا هي في الدار . قال: ونزلوا هم إليها ، وبلغ أمي فجاءت وقالت: وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام .

قال: فأقمت ثلاثا ثم دخلت بها ، فإذا هي من أجمل الناس ، وإذا هي أحفظ الناس لكتاب الله -عز وجل- وأعلمهم بسنة رسوله ، وأعرفهم بحق زوج . قال: فمكثت شهرا لا يأتيني سعيد ولا آتيه ، فلما كان قرب الشهر أتيت سعيدا وهو في حلقته ، فسلمت عليه ، فرد علي السلام ولم يكلمني حتى تفرق أهل المجلس ، فلم يبق غيري ، قال: ما حال ذلك الإنسان؟ قلت: خيرا يا أبا محمد على ما يحب الصديق ويكره العدو ، فقال: إن رابك شيء فالعصا . فانصرفت إلى منزلي ، فوجه إلي بعشرين ألف درهم . قال عبد الله بن سليمان: وكانت بنت سعيد بن المسيب خطبها عبد الملك بن مروان لابنه الوليد حين ولاه العهد ، فأبى سعيد أن يزوجه ، فلم يزل عبد الملك يحتال على سعيد حتى ضربه مائة سوط في يوم بارد ، وصب عليه جرة ماء وألبسه جبة صوف .

قال عبد الله: وابن أبي وداعة هو كثير بن المطلب بن أبي وداعة .

قال مؤلف الكتاب: وكان لكثير هذا ولد يقال له كثير أيضا . روى الحديث ، وكان شاعرا ولم يكن له عقب . فأما أبو وداعة فاسمه الحارث بن صبيرة بن سعيد بن سعد بن سهم . كان قد شهد بدرا مع المشركين فأسر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تمسكوا به فإن له ابنا كيسا بمكة . فخرج المطلب ففداه بأربعة آلاف درهم . وهو أول أسير فدي ، فشخص الناس بعده ففدوا أسراهم ، وكان أبوه صبيرة قد جاز الأربعين سنة بقليل ثم مات .

أنبأنا الحسين بن عبد الوهاب ، قال: أخبرنا ابن المسلمة ، قال: أخبرنا [ ص: 326 ] المخلص ، قال: حدثنا سليمان بن داود ، قال: حدثنا الزبير بن بكار ، قال: حدثني علي بن صالح ، عن عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة بن الزبير:

أن الناس مكثوا زمانا ومن جاز من قريش في السن أربعين سنة عمر ، فجازها صبيرة بن سعيد بيسير ، ثم مات فجأة ، ففزع لذلك الناس ، فناحت عليه الجن ، فقالت:


من يأمن الحدثان بعد صبيرة القرشي ماتا     عجلت منيته المشيب
فكان منيته افتلاتا

وفي رواية أن شاعرا قال:


حجاج بيت الله إن     صبيرة القرشي ماتا
سبقت منيته المشيب     كأن ميتته افتلاتا
فتزودوا لا تهلكوا من     دون أهلكم خفاتا

قال مؤلف الكتاب رحمه الله: ثم إن أبا وداعة أسلم يوم الفتح وبقي إلى خلافة عمر ، وأسلم ابنه المطلب يوم الفتح أيضا .

توفي سعيد بالمدينة في هذه السنة وهو ابن أربع وثمانين سنة .

التالي السابق


الخدمات العلمية