صفحة جزء
[ ص: 289 ] ذكر طرف من أخباره

روى أبو الحسين بن المنادى بإسناد له عن عتبة بن عامر الجهني ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذا القرنين ، فقال: "إن أول أمره أنه كان غلاما من الروم أعطي ملكا حتى أتى أرض مصر ، فابتنى عندها مدينة يقال لها الإسكندرية ، فلما فرغ من بنائها أتاه ملك فعرج به فقال له: انظر ما تحتك ، قال: ما أرى مدينتي وأرى مدائن معها ، ثم عرج به ، فقال له: انظر ، فقال: قد اختلطت المدائن ، ثم زاد فقال له: انظر ، فقال: أرى مدينتي وحدها لا أرى غيرها ، فقال له الملك: إنما تلك الأرض كلها ، وهذا السواد الذي ترى محيطا به البحر ، وإنما أراد الله أن يريك الأرض وقد جعل لك سلطانا فيها ، فسر في الأرض علم الجاهل وثبت العالم .

[فسار] حتى بلغ مغرب الشمس ثم أتى السدين ، وهما جبلان لينان ينزل عنهما كل شيء ، فبنى السد ، ثم سار فوجد يأجوج ومأجوج يقاتلون قوما وجوههم كوجوه الكلاب ، ثم قطعهم ، فوجد أمة قصارا يقاتلون الذين وجوههم كوجوه الكلاب ، ثم مضى فوجد أمة من الغرانيق يقاتلون القوم القصار ، ثم مضى فوجد أمة من الحيات تلتقم الحية منها الصخرة العظيمة ، ثم أفضى إلى البحر المدير بالأرض" .


وروى أبو الحسين بإسناد له عن علي بن الحسين بن علي ، [عن أبيه ، عن جده علي] بن أبي [طالب] رضي الله عنهم ، أنه قال: كان ذو القرنين عبدا صالحا ، وكان قد ملك ما بين المشرق والمغرب ، وكان له خليل من الملائكة اسمه رفائيل يأتي ذا القرنين ويزوره ، فبينما هما يوما يتحدثان ، قال ذو القرنين: يا رفائيل ، حدثني كيف عبادتكم في السماء ، فبكى رفائيل وقال: يا ذا القرنين وما عبادتكم عند عبادتنا ، إن في السموات من الملائكة من هو قائم أبدا لا يجلس ، ومنهم الساجد لا يرفع رأسه أبدا ، ومنهم الراكع لا يستوي قائما أبدا ، ومنهم الرافع وجهه لا يجلس أبدا ، وهم يقولون: سبحان [ ص: 290 ] الملك القدوس رب الملائكة والروح ، ربنا ما عبدناك حق عبادتك . فبكى ذو القرنين بكاء شديدا ، ثم قال: يا رفائيل إني لأحب أن أعيش فأبلغ من عبادة ربي حق طاعته . فقال رفائيل: أوتحب ذلك؟ قال: نعم ، قال: فإن لله عينا في الأرض تسمى عين الحياة فيها عزيمة أنه من شرب منها شربة إنه لن يموت حتى يكون هو الذي يسأل الموت . قال ذو القرنين: فهل تعلمون أنتم موضع تلك العين ، فقال رفائيل: لا ، غير أننا نتحدث في السماء أن لله في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان ، فنحن نظن أن تلك العين هي التي في تلك الظلمة ، فجمع ذو القرنين حكماء أهل الأرض ، وأهل دراسة الكتب وآثار النبوة ، وقال: أخبروني هل وجدتم فيما قرأتم من كتب الله وما جاءكم من أحاديث الأنبياء ، وحديث من كان قبلكم من العلماء أن الله وضع في الأرض عينا سماه عين الحياة؟ فقالت العلماء: لا ، فقال ذو القرنين: فهل وجدتم فيها أن الله وضع في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان؟ قالوا: لا ، فقال عالم [من] العلماء واسمه أفشنجير: أيها الملك لم تسأل عن هذا؟ فأخبره بالحديث وما قال له رفائيل في العين والظلمة ، فقال: أيها الملك ، إني قرأت وصية آدم فوجدت فيها أن الله وضع في الأرض ظلمة لا يطؤها إنس ولا جان ، فقال ذو القرنين: فأي أرض وجدتها في الأرض؟ قال: وجدتها على قرن الشمس .

فبعث ذو القرنين في الأرض فحشر الناس إليه ، الفقهاء والأشراف والملوك ، ثم سار يطلب مطلع الشمس ، فسار إلى أن بلغ طرف الظلمة ثنتي عشرة سنة ، فإذا الظلمة ليست بليل ، وظلمة تفور مثل الدخان ، فعسكر ثم جمع علماء عسكره ، فقال: إني أريد أن أسلك هذه الظلمة ، فقالت العلماء: أيها الملك ، إنه من كان قبلك من الأنبياء لم يطلبوا هذه الظلمة فلا تطلبها ، فإنا نخاف أن يتفق عليك منها [أمر] تكرهه ، ويكون فيها فساد الأرض ، فقال: ما بد من أن أسلكها ، فخرت العلماء سجدا ، وقالوا: أيها الملك كف عن هذه الظلمة ولا تطلبها فإنا لو نعلم أنك إن طلبتها ظفرت بما تريد ولكنا نخاف العتب من الله ، ويتفق عليك أمر يكون فيه فساد الأرض وما عليها ، فقال: ما بد من أن أسلكها ، فقالت العلماء: شأنك بها ، فقال ذو القرنين: أي الدواب بالليل أبصر؟ [ ص: 291 ] قالوا: الخيل ، قال: فأيها أبصر؟ قالوا: الإناث أبصر ، قال: فأي الإناث؟ قالوا: البكارة .

فأرسل ذو القرنين فجمع له ستة آلاف فرس أنثى بكارة ، ثم انتخب من أهل عسكره أهل الجلد والعقل ستة آلاف رجل ، فدفع إلى كل رجل فرسا ، وعقد للخضر على مقدمته على ألفين ، وكان الخضر وزير ذي القرنين ، وهو ابن خالته . وبقي ذو القرنين في أربعة آلاف ، فقال ذو القرنين للناس: لا تبرحوا من عسكركم هذا اثنتي عشرة سنة فإن نحن رجعنا إليكم فذلك وإلا فارجعوا إلى بلادكم ، فقال الخضر: أيها الملك إنا نسلك ظلمة لا ندري كم السير فيها ولا يبصر بعضنا بعضا ، فكيف نصنع بالضلال إذا أصابنا؟

فدفع ذو القرنين إلى الخضر خرزة حمراء ، فقال: حيث يصيبك الضلال فاطرح هذه الخرزة إلى الأرض فإذا صاحت فليرجع إليها أهل الضلال . فسار الخضر بين يدي ذي القرنين يرتحل ونزل ذو القرنين وقد عرف الخضر ما يطلب ذو القرنين ، وذو القرنين يكتم الخضر .

فبينما الخضر يسير إذ عارضه واد ، فظن الخضر أن العين في الوادي ، فلما قام على شفير الوادي قال لأصحابه: قفوا ولا يبرحن رجل من موقفه ، ورمى بالخرزة في الوادي ، فمكث طويلا ثم أضاءته الخرزة وطلب صوتها ، فانتهى إليها فإذا هي على حافة العين ، فنزع الخضر ثيابه ثم دخل العين ، فإذا ماء أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من الشهد فشرب واغتسل وتوضأ ، ثم خرج فلبس ثيابه ثم رمى بالخرزة نحو أصحابه فصاحت ، فرجع الخضر إلى صوتها وإلى أصحابه ، فأخذها وركب فسار . ومر ذو القرنين فأخطأ الوادي فسلكوا تلك الظلمة أربعين يوما وأربعين ليلة ، فخرجوا إلى ضوء ليس بضوء شمس ولا قمر ، وأرض حمراء ، ورملة . وإذا قصر مبني في تلك الأرض طوله فرسخ في فرسخ مسور ليس عليه باب ، فنزل ذو القرنين بعسكره ثم خرج وحده حتى دخل القصر ، فإذا حديدة طرفاها على حافتي القصر ، وإذا طائر أسود كأنه الخطاف أو شبه بالخطاف ، مذموم بأنفه إلى الحديدة ، معلق بين السماء والأرض ، فلما سمع الطائر خشخشة ذي القرنين ، قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين ، فقال الطائر: يا ذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي ، يا ذا القرنين حدثني هل كثر البناء بالآجر والجص؟

[ ص: 292 ]

قال: نعم . فانتفض الطائر انتفاضة ثم انتفخ فبلغ ثلث الحديدة ، ثم قال: هل كثرت شهادات الزور في الأرض؟ قال: نعم . فانتفض الطائر ثم انتفخ فبلغ ثلثي الحديدة ، ثم قال: يا ذا القرنين: حدثني هل كثرت المعازف في الأرض؟ قال: نعم . فانتفض ثم انتفخ فملأ الحديدة ، وسد ما بين جداري القصر ، فاجتث ذو القرنين فرحا ، فقال الطائر: هل ترك الناس شهادة أن لا إله إلا الله؟ قال: لا ، فانضم الطائر ثلثا ، ثم قال: هل تركت الصلاة المفروضة؟ قال: لا ، فانضم الطائر ثلثا ، ثم قال: هل ترك الناس غسل الجنابة ، قال: لا ، فعاد الطائر كما كان ، ثم قال: يا ذا القرنين اسلك هذه الدرجة إلى أعلى القصر ، فسلكها فإذا سطح وعليه رجل قائم ، فلما سمع خشخشة ذي القرنين قال: من هذا؟ قال: أنا ذو القرنين ، قال: يا ذا القرنين أما كفاك ما وراءك حتى وصلت إلي؟ قال: ومن أنت؟ قال: أنا صاحب الصور ، وإن الساعة اقتربت ، وأنا أنتظر أمر ربي أن أنفخ فأنفخ . ثم ناوله حجرا ، فقال: خذها فإن شبع شبعت وإن جاع جعت ، فرجع به إلى أصحابه فوضعوا الحجر في كفه ووضعوا حجرا آخر مقابله ، فإذا به يميل ، فتركوا آخر كذلك إلى ألف حجر ، فمال ذلك الحجر بالكل .

فأخذ الخضر [كفا من تراب] وتركه في إحدى الكفتين وأخذ حجرا من تلك الحجارة فوضعه في الكفة الأخرى وترك معه كفا من تراب ، فوضعه على الحجر الذي جاء به ذو القرنين ، فاستوى في الميزان ، فقال الخضر: هذا مثل ضرب لكم ، إن ابن آدم لا يشبع أبدا دون أن يحثى عليه التراب ، كما لم يشبع هذا الحجر حتى وضعت عليه التراب . قال: صدقت يا خضر لا جرم ، لا طلبت أثرا في البلاد بعد مسيري هذا ، فارتحل راجعا حتى إذا كان في وسط الظلمة وطئ الوادي الذي فيه زبرجد ، فقال من معه: ما هذا الذي تحتنا؟ فقال ذو القرنين: خذوا منه ، فإنه من أخذ ندم ومن ترك ندم . فأخذ قوم وترك قوم ، فلما خرجوا من الظلمة إذا هو بزبرجد ، فندم الآخذ والتارك . ثم رجع ذو القرنين إلى دومة الجندل وكانت منزله فأقام بها حتى مات .

[ ص: 293 ]

قال الحسن البصري: إن ذا القرنين كان يركب وعلى مقدمته ستمائة ألف ، وعلى ساقته ستمائة ألف .

كتاب أم الإسكندر إليه

قال كعب الأحبار: إن أم ذي القرنين كانت حازمة عاقلة ، فلما بلغها أن ابنها قد فتح المدائن واستعبد الرجال ، ودانت له الملوك كتبت إليه .

بسم الله الرحمن الرحيم . من روقية أم الإسكندر إلى الإسكندر الموتى له ، الضعيف الذي بقوة ربه قوي ، وبقدرته قهر ، وبعزته استعلى ، يا بني لا تدع للعجب فيك مساغا فإن ذلك يرديك ، ولا تدع للعظمة فيك مطمعا فإن ذلك يضعفك ، يا بني ذلل نفسك [للذي رفعك] .

واعلم أنك عن قليل محول عما أنت فيه ، يا بني إياك والشح؛ فإن الشح يرديك ، ويزري بك ، وانظر هذه الكنوز التي جمعتها أن تعجل حملها إلي كلها مع رجل مفرد على فرس أجرد .

فلما ورد عليه الكتاب جمع الناس ، فقال: انظروا فيما كتبت أمي وسألتني فيه: أن أرسل بهذه الأموال ، فقالوا: وكيف السبيل إلى حملها على فرس؟ فقال: هل عندكم غير هذا؟ قالوا: لا ، فدعا كاتبه فقال: اكتب كل مال جمعته ، فأحصه واجعله في كتاب وبين مواضعها وعدتها ، ففعل الكاتب ثم ، ختم الكتاب ، وحمل رجلا على فرس ، ثم قال له: امض بهذا الكتاب إلى أمي ، ثم قال لهم: إنما سألتني أمي أن أبعث إليها بعلم ما لي أجمع ومواضعها . قال: إن ذلك إلى اليوم معروف بالروم في بيت مملكتهم وبيوت أموالهم ، يجدون علم ذلك في أرض كذا وكورة كذا ، وموضع كذا وكذا ، ومن المال كذا [ ص: 294 ] وكذا ، مما كنزه الإسكندر ، وكان الله لم يجعل فيه من الحرص شيئا ، ولم يجمع الدنيا إلا ما كان يسر بمن معه فيقويهم على ذلك ، وكان مسيره ذلك رحمة للمؤمنين .

صفة بناء السد

ذكر أبو الحسين بن المنادي عن الموجود في أيدي الفرس عن كتبهم الموروثة: أن ذا القرنين لما عزم على المسير إلى مطلع الشمس أخذ على طريق كابل في الهند وتبت ، فتلقته الملوك بالهدايا العظيمة ، والتحايا الكريمة والطاعة والأموال ، إلى أن صار إلى الأرض المنتنة السوداء ، فقطعها سيرا في شهر ، ثم جاءته الأدلاء فانتهوا به إلى الحصون الشامخة والمدن المعطلة من أهلها ، وقد بقيت منهم فيها بقايا سألوه بأجمعهم أن يسد عنهم الفج الذي بينهم وبين يأجوج ومأجوج ، فسار إليه ونزل بجيشه العظيم الهائل ومعه الفلاسفة والصناع والحدادون ، فاتخذ قدور الحديد الكبار والمغارف الحديدية ، وأمر أن يجعل كل أربعة من تلك القدور على ديكدان ، طول كل واحد خمسون ذراعا أو نحوها ، وأمر الصناع أن يضربوا اللبن الحديد ، فاتخذوا النحاس والحديد ، وأضرموا عليه النار ، فصارت حجارة لم ير الناس مثلها كأنها تشبه جبل السد ، طول كل لبنة ذراع ونصف بالذراع الأعظم ، وسمكها شبر .

فما زالوا يبنون السد من جانب الجبل ، وجعل في وسطه بابا عظيما ، طوله أقل من عرضه ، فالعرض مائة ذراع ، كل مصراع خمسون ذراعا ، والطول خمسون ذراعا ، وعليه قفل عظيم نحو عشرة أذرع ، وفوقه بأذرع غلق أطول من ذلك القفل . وكل ذلك أملس كملاسة الجبل وبلونه .

فذكروا أنه لما فرغ من بناء السد أمر بالنار فأضرمت عليه من أسفله إلى أعلاه ، فصار معجونا كأنه حجر واحد مثل الجبل سواء ، فلما فرغ من بناءه مال راجعا بعد أن لقي الأمم التي خلف يأجوج ومأجوج .

قال أبو الحسين: وبلغني عن خرداذبه ، قال: حدثني سلام الترجمان: أن [ ص: 295 ] الواثق لما رأى في المنام أن السد الذي سده ذو القرنين ببناء بين يأجوج ومأجوج انفتح وجهني فقال: عاينه وأتني بخبره ، وضم إلي خمسين رجلا ، ووصلني بخمسة آلاف دينار ، وأعطاني ديتي عشرة آلاف درهم ، وأمر بإعطاء كل رجل معي ألف درهم ورزق ستة أشهر ، وأعطاني مائتي بغل يحمل الزاد والماء . فشخصنا من سر من رأى بكتاب من الواثق إلى إسحاق بن إسماعيل صاحب أرمينية وهو بتفليس ، في إنفاذنا ، فكتب لنا إلى إسحاق صاحب السرير ، وكتب لنا ذاك إلى ملك الدان ، فكتب لنا إلى قلانشاه ، فكتب لنا إلى ملك الخرز ، [وسرنا من عند ملك الخرز] يوما وليلة ، ثم وجه معنا خمسين رجلا أدلاء ، فسرنا من عنده خمسة وعشرين يوما ، ثم سرنا إلى أرض سوداء منتنة الريح وقد كنا تزودنا قبل دخولها طيبا نشمه للرائحة المكروهة ، فسرنا فيها عشرة أيام ، ثم صرنا إلى مدن خراب فسرنا فيها سبعة وعشرين يوما ، فسألنا عن تلك المدن التي كان يأجوج ومأجوج طرقوها فخربوها ، ثم صرنا إلى حصون بالقرب من جبل السد في شعب منه .

وفي تلك الحصون قوم يتكلمون بالعربية والفارسية مسلمون يقرءون القرآن ، لهم كتاتيب ومساجد ، فسألوا: من أين أقبلتم؟ فأخبرناهم أنا رسل أمير المؤمنين ، فأقبلوا يتعجبون ويقولون: أمير المؤمنين!! قلنا: نعم ، فقالوا: أشيخ هو أم شاب؟ فقلنا: شاب ، فتعجبوا وقالوا: أين يكون؟ قلنا: بالعراق في مدينة يقال لها سر من رأى ، فقالوا: ما سمعنا بهذا قط .

ثم سرنا إلى جبل أملس ليس عليه خضراء ، وإذا جبل مقطوع بواد عرضه مائة وخمسون ذراعا ، [وفيه السد] ، وإذا عضادتان مبنيتان للمشي مما يلي الجبل من جنبتي الوادي ، عرض كل عضادة خمسة وعشرون ذراعا ، الظاهر من تحتها عشرة أذرع خارج الباب ، وعليه بناء مكين من حديد مغيب في نحاس في سمك خمسين ذراعا . وإذا دروند حديد طرفاه على العضادتين ، طوله مائة وعشرون ذراعا ، قد ركب على العضادتين ، على كل واحد بمقدار عشرة أذرع في عرض خمسة أذرع ، وفوق الدروند [ ص: 296 ] بناء بذلك الحديد المغيب في النحاس إلى رأس الجبل في ارتفاعه مد البصر ، وفوق ذلك شرف حديد ، في كل شرفة قرنان يشير كل واحد منهما إلى صاحبه ، وإذا باب حديد مصراعين معلقين ، عرض كل مصراع خمسون ذراعا في ارتفاع خمسين ذراعا في ثخن خمسة أذرع ، وقائمتاهما في دوارة في قدر ، وعلى الباب قفل طوله سبعة أذرع في غلظ ذراع في الاستدارة ، وارتفاع القفل من الأرض خمس وعشرون ذراعا ، وفوق القفل بقدر خمس أذرع غلق طوله أكثر من طول القفل ، وقعر كل واحد منهما ذراعان ، وعلى الغلق مفتاح مغلق طوله ذراع ونصف ، وله اثنتا عشرة دندانجة ، كل واحد كدستج أكبر ما يكون من هاوون معلق في سلسلة طولها ثمانية أذرع في استدارة أربعة أشبار ، والحلقة التي فيها السلسلة مثل حلقة المنجنيق ، وعتبة الباب عشرة أذرع بسط مائة ذراع ، سوى ما تحت العضادتين ، والظاهر منها خمس أذرع ، وهذا الذراع كله بالذراع السوداء .

ورئيس تلك الحصون يركب في كل جمعة في عشرة فوارس ، مع كل فارس مرزبة حديد ، في كل واحدة خمسون ومائة من ، فيضرب القفل بتلك المرزبات في كل يوم مرات ليسمع من نقباء الباب الصوت ، فيعلموا أن هنالك حفظة ، ويعلم هؤلاء أن أولئك لم يحدثوا في الباب حدثا ، وإذا ضرب أصحابنا القفل وضعوا آذانهم فيسمعون بمن داخل دويا .

وبالقرب من هذا الموضع حصن كبير يكون عشرة فراسخ في عشرة فراسخ ، بكسر مائة فرسخ ، ومع الباب حصنان يكون كل واحد منهما بمائتي ذراع في مائتي ذراع ، وعلى باب هذين الحصنين شجرتان ، وبين الحصنين عين عذبة ، في أحد الحصنين آلة البناء الذي كان بني به السد من القدور والحديد والمغارف الحديد ، على كل أنصبة أربع قدور مثل قدور الصابون ، وهنالك بقية من اللبن قد التزق بعضها ببعض من الصداء ، واللبنة ذراع ونصف في سمك شبر .

وسألوا من هنالك: هل رأوا أحدا من يأجوج ومأجوج ، فذكروا أنهم رأوا مرة عددا فوق الشرف ، فهبت ريح سوداء فألقتهم إلى جانبهم ، فكان مقدار الرجل منهم في رأي العين شبرا ونصفا .

[ ص: 297 ]

قال سلام الترجمان: فلما انصرفنا أخذتنا الأدلاء إلى ناحية خراسان فسرنا إليها حتى خرجنا خلف سمرقند سبع فراسخ ، وقد كان أصحاب الحصون زودونا ما كفانا ، ثم صرنا إلى عبد الله بن طاهر .

قال سلام: فوصلني بمائة ألف درهم ، ووصل كل رجل معي بخمسمائة درهم .

وأجرى للفارس خمسة دراهم وللراجل ثلاثة دراهم في كل يوم إلى الذي . فرجعنا إلى سر من رأى بعد خروجنا بثمانية وعشرين شهرا .

قال ابن خرداذبه: فحدثني سلام الترجمان بجملة هذا الخبر ثم أتليته من كتاب كتبه الواثق .

وقد روي أن يأجوج ومأجوج يحفرون السد كل يوم .

أخبرنا ابن الحصين ، أخبرنا ابن المذهب ، أخبرنا ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، أخبرنا عبد الله بن أحمد ، قال: حدثني أبي ، حدثنا روح ، حدثنا سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، حدثنا أبو رافع ، عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال: "إن يأجوج ومأجوج ليحفرون السد كل يوم حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم ارجعوا فستحفرونه غدا ، فيعودون إليه فيرونه أشد ما كان حتى ، إذا بلغت مدتهم وأراد الله عز وجل أن يبعثهم على الناس حفروا حتى إذا كادوا يرون شعاع الشمس قال الذي عليهم: ارجعوا فستحفرون غدا إن شاء الله ، فيعودون إليه وهو كهيئته حين تركوه ، فيحفرونه ويخرجون على الناس ، فينشفون المياه ، ويتحصن الناس منهم في حصونهم ، فيرمون بسهامهم نحو السماء فترجع وعليها كهيئة الدم ، فيقولون: قهرنا أهل الأرض وعلونا أهل السماء . فيبعث الله عز وجل نغفا في أقفائهم فيقتلهم بها" . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده إن دواب الأرض لتسمن وتشكر من لحومهم ودمائهم" .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد القزاز ، أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، أخبرنا أبو [ ص: 298 ] الحسن محمد بن إبراهيم بن مخلد ، حدثنا محمد بن عمرو بن البحتري ، حدثنا أبو طاهر أحمد بن بشر الدمشقي ، حدثنا سليمان بن عبد الرحمن ، حدثنا عبد الله بن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر ، عن أبيه ، عن يحيى بن جابر ، عن عبد الرحمن بن جبير بن نفير ، عن أبيه جبير بن نفير ، عن النواس بن سمعان الكلابي ، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر يأجوج ومأجوج ، فقال: "ليستوقد المسلمون من جعابهم وثيابهم وتراسيهم وقسيهم سبع سنين" .

التالي السابق


الخدمات العلمية