صفحة جزء
[ ص: 79 ] ثم دخلت سنة اثنتين ومائة

فمن الحوادث فيها أن يزيد بن عبد الملك بعث العباس بن الوليد بن عبد الملك ومسلمة بن عبد الملك إلى حرب يزيد بن المهلب ، فخرج يزيد من واسط للقائهما ، واستخلف بها ابنه معاوية بن يزيد ، وجعل عنده الخزائن وبيت المال وقدم بين يديه أخاه عبد الملك ، فاستقبله العباس بسورا ، فاقتتلوا فشد عليهم أهل البصرة فكشفوهم وسقط إلى يزيد ناس كثير من أهل الكوفة ومن الجبال والثغور ، فقام فيهم فقال: قد ذكر لي أن هذه الجرادة الصفراء - يعني مسلمة بن عبد الملك - وعاقر ناقة صالح - يعني العباس بن الوليد ، وكان العباس أزرق أحمر وكانت أمه رومية - والله لقد كان سليمان أراد أن ينفيه حتى كلمته فيه فأقره على نسبه ، بلغني أنه ليس يهمهما إلا التماسي في الأرض ، والله لو جاءوا بأهل الأرض جميعا وليس إلا أنا ، ما برحت العرصة حتى تكون لي أو لهم .

وكان الحسن البصري يثبط الناس عن يزيد بن المهلب ، فقام مروان بن المهلب خطيبا وأمر الناس بالجد والجهاد ، ثم قال: لقد بلغني أن هذا الشيخ الضال المرائي - ولم يسمه - يثبط الناس عنا ، والله لو أن جاره نزع من خص داره قصبة لظل يرعف أنفه . ولم يدع الحسن كلامه ذلك . [ ص: 80 ]

فلما اجتمع يزيد بن المهلب ومسلمة أقاما ثمانية أيام حتى إذا كان يوم الجمعة لأربع عشرة مضت من صفر عبأ مسلمة جنود الشام ، ثم ازدلف بهم نحو يزيد ، [وبعث مسلمة فأحرق الجسر فانهزم أصحاب يزيد] وتسللوا وهو يزدلف ، فكلما مر بخيل كشفها ، فجاءه أبو رؤبة فقال له : هل لك أن تنصرف إلى واسط فإنها حصن فتنزلها ويأتيك مدد أهل البصرة وأهل عمان والبحرين في السفن ، وتضرب خندقا ، فقال: قبح الله رأيك ، إلي تقول هذا؟ إن الموت أيسر علي من ذلك ، وبرز فقتل وقتل أخوه [محمد] ، فبعث برأسه إلى يزيد بن عبد الملك ، فلما بلغ خبر الهزيمة إلى واسط أخرج معاوية بن يزيد بن المهلب اثنين وثلاثين أسيرا كانوا عنده ، فضرب أعناقهم ، منهم عدي بن أرطاة .

ثم أقبل حتى أتى البصرة ومعه المال والخزائن ، وجاء المفضل بن المهلب ، واجتمع جميع أهل المهلب بالبصرة ، فحملوا عيالاتهم وأموالهم في السفن البحرية ، ثم لججوا في البحر ، ومضوا إلى قندابيل ، ورجع قوم فطلبوا الأمان ، وبعث مسلمة في آثارهم هلالا التميمي ، فلحقهم بقندابيل ، ومنعهم قندابيل الدخول ، فالتقوا فقتلوا عن آخرهم سوى رجلين ، ولما فرغ مسلمة من حرب يزيد بن المهلب جمع له يزيد بن عبد الملك ولاية الكوفة والبصرة وخراسان في هذه السنة .

وفيها: غزا المسلمون الصغد والترك ، وكانت الوقعة بينهم بقصر الباهلي .

وفيها: عزل مسلمة بن عبد الملك عن العراق وخراسان ، وانصرف إلى الشام .

وكان سبب ذلك أنه لما ولي أرض العراق وخراسان لم يرفع شيئا من الخراج ، [ ص: 81 ] فأراد يزيد عزله فاستحيا منه ، فكتب إليه أن استخلف على عملك وأقبل ، فشاور في ذلك عبد العزيز بن حاتم ، فقال له: إنك لا تخرج من عملك حتى تلقى الوالي عليه .

فشخص فلقيه عمر بن هبيرة على دواب البريد ، فقال: إلى أين يا ابن هبيرة؟ فقال:

وجهني أمير المؤمنين في حيازة أموال بني المهلب ، وإنما أراد تغطية الحال عنه ، فما لبث حتى جاءه الخبر بعزل ابن هبيرة عماله والغلظة عليهم .

وفيها: غزا عمر بن هبيرة الروم بأرمينية ، فهزمهم وأسر منهم سبعمائة أسير .

وفيها: قتل يزيد بن أبي مسلم بأفريقية وهو وال عليها .

وسبب ذلك أنه كان قد عزم أن يسير فيهم بسيرة الحجاج فقتلوه ، وأعادوا الوالي قبله ، وهو محمد بن يزيد مولى الأنصار وكتبوا إلى يزيد: إنا لم نخلع أيدينا من الطاعة ، ولكن يزيد بن أبي مسلم سامنا ما لا يرضاه الله تعالى فقتلناه وأعدنا عاملك ، فكتب إليهم: إني لم أرض ما صنع يزيد ، وأقر محمد بن يزيد على [عمله] بإفريقية .

وفيها: حج بالناس عبد الرحمن بن الضحاك وهو العامل على المدينة ، وكان على مكة عبد العزيز بن عبد الله بن خالد بن أسيد ، وعلى الكوفة محمد بن عمرو ، وعلى قضائها القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود ، وعلى البصرة عبد الملك ابن بشر بن مروان ، وعلى خراسان سعيد بن عبد العزيز بن الحارث بن الحكم بن أبي العاص ، وعلى مصر أسامة بن زيد .

التالي السابق


الخدمات العلمية