صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

600 - الحسن بن أبي الحسن البصري ، يكنى أبا سعيد :

كان أبوه من أهل بيسان ، فسبي ، فهو مولى الأنصار . ولد في خلافة عمر ، وحنكه عمر بيده ، وكانت أمه تخدم أم سلمة فربما غابت فتعطيه أم سلمة ثديها فتعلله به إلى أن تجيء أمه فيدر عليه ثديها فيشربه ، فكانوا يقولون: فصاحته من بركة ذلك .

أخبرنا هبة الله بن أحمد الجريري ، قال: أنبأنا محمد بن علي بن الفتح ، قال:

أخبرنا أبو بكر البرقاني ، قال: أخبرنا إبراهيم بن محمد المزكي ، قال: حدثنا محمد بن إسحاق السراج ، قال: حدثنا فضل بن سهل ، قال: حدثنا علي بن حفص ، قال: حدثنا سليمان بن المغيرة ، عن يونس ، قال:

كان الحسن يقول: نضحك ولعل الله قد اطلع على بعض أعمالنا ، فقال: لا أقبل منكم شيئا .

قال السراج: حدثني عبد الله بن محمد ، قال: حدثني محمد بن الحسين ، قال:

حدثني حكيم بن جعفر ، قال: قال لي [مسمع] : لو رأيت الحسن لقلت قد بث عليه حزن الخلائق من طول تلك الدمعة وكثرة ذلك التشنج . أخبرنا عبد الوهاب الأنماطي ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن عبد الجبار ، قال: [ ص: 137 ]

أخبرنا الحسين بن علي ، قال: أخبرنا عبد الله بن عثمان ، قال: حدثنا علي بن محمد المصري ، قال: حدثنا أحمد بن واضح ، قال: حدثنا سعيد بن أسد ، قال: حدثنا ضمرة ، عن حفص بن عمر ، قال:

بكى الحسن ، فقيل له: ما يبكيك؟ قال: أخاف أن يطرحني غدا في النار ولا يبالي .

أخبرنا عبد الله بن علي المقري ، قال: أخبرنا علي بن محمد العلاف ، قال:

أخبرنا عبد الملك بن بشران ، قال: أخبرنا أبو بكر الآجري ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد الحميد ، قال: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني ، قال: حدثنا عبد الوهاب بن عطاء ، قال: حدثنا أبو عبيد الباجي ، أنه سمع الحسن بن أبي الحسين يقول:

حادثوا هذه القلوب فإنها سريعة الدثور ، وأقذعوا هذه الأنفس فإنها طلعة ، وإنها تنزع إلى شر غاية ، وإنكم إن تقاربوها لم يبق لكم من أعمالكم شيء ، فتصبروا وتشددوا فإنما هي ليال تعدو ، وإنما أنتم ركب وقوف ، يوشك أن يدعى أحدكم فيجيب فلا يلتفت فانقلبوا بصالح ما بحضرتكم ، إن هذا الحق أجهد الناس وحال بينهم وبين شهواتهم ، وإنما صبر على هذا الحق من عرف فضله ورجا عاقبته .

أخبرنا علي بن عبيد الله ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن النقور ، قال: أخبرنا عيسى بن علي ، قال: حدثنا البغوي ، قال: حدثنا نعيم بن الهيضم ، قال: حدثنا خلف بن تميم ، عن أبي همام الكلاعي ، عن الحسن :

أنه مر ببعض القراء على أبواب بعض السلاطين ، فقال: أفرختم حمائمكم ، وفرطحتم بغالكم ، وجئتم بالعلم تحملونه على رقابكم إلى أبوابهم فزهدوا فيكم ، أما إنكم لو جلستم في بيوتكم حتى يكونوا هم الذين يتوسلون إليكم لكان أعظم لكم في أعينهم ، تفرقوا فرق الله بين أعضائكم .

عاصر الحسن خلقا كثيرا من الصحابة ، فأرسل الحديث عن بعضهم ، وسمع من بعضهم ، وقد جمعنا مسانيده وأخباره في كتاب كبير ، فلم أر التطويل هاهنا . [ ص: 138 ]

توفي عشية الخميس ، ودفن يوم الجمعة أول يوم من رجب هذه السنة ، وغسله أيوب السختياني وحميد الطويل ، وصلى عليه النضر بن عمرو أمير البصرة ، ومشى هو وبلال بن أبي بردة أمام الجنازة ، وكان له تسع وثمانون سنة .

601 - سعد بن مسعود ، أبو مسعود التجيبي :

من تجيب ، وفد على سليمان بن عبد الملك ، وكان رجلا صالحا ، وأسند حديثا واحدا ، وبعثه عمر بن عبد العزيز إلى أهل إفريقية يفقه أهلها في الدين .

602 - محمد بن سيرين ، أبو بكر البصري ، مولى أنس بن مالك :

سمع أبا هريرة ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعمران بن حصين ، وأنس بن مالك . وهو أروى الناس عن شريح وعبيدة . روى عنه قتادة وخالد الحذاء ، وأيوب السختياني ، وغيرهم . وكان فقيها ورعا .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال:

أخبرنا محمد بن عبد الواحد ، قال: أخبرنا محمد بن العباس الخزاز ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن عيسى المكي ، قال: حدثنا محمد بن القاسم أبو العيناء ، قال:

حدثنا ابن عائشة ، قال :

كان أبو محمد بن سيرين من أهل جرجرايا ، وكان يعمل قدور النحاس ، فجاء إلى عين التمر يعمل بها فسباه خالد بن الوليد .

أخبرنا عبد الرحمن ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن إبراهيم البزاز ، قال: حدثنا أبو علي الحسن بن محمد بن عثمان الفسوي ، قال: حدثنا يعقوب بن سفيان ، قال: حدثنا سليمان بن حرب ، قال: حدثنا [ ص: 139 ] حماد بن زيد ، عن عبيد بن أبي بكر بن أنس بن مالك ، قال:

هذه مكاتبة سيرين عندنا: هذا ما كاتب عليه أنس بن مالك فتاه سيرين على كذا وكذا ألفا ، وعلى غلامين يعملان عمله .

قال علماء السير: كان خالد بن الوليد قد بعث بسيرين إلى عمر عند مصيره إلى العراق ، فوهبه لأبي طلحة الأنصاري فوهبه أبو طلحة لأنس بن مالك ، فكاتبه أنس على أربعين ألفا أداها .

وولد له محمد ، وأنس ، ومعبد ، ويحيى ، وحفصة ، وأم محمد صفية مولاة أبي بكر الصديق ، حضر إملاكها ثمانية عشر بدريا منهم أبي بن كعب ، فكان يدعو وهم يؤمنون . وولد محمد لسنتين بقيتا من خلافة عثمان بن عفان . وولد له ثلاثون ولدا من امرأة واحدة . وقد لقي محمد بن عمر ، وعمران بن حصين ، وأبا هريرة . وكان ورعا في الفقه فقيها في الورع .

وركبه دين فحبس لأجله ، واختلفوا في سبب ذلك الدين ، فقال ابن سعد : سألت محمد بن عبد الله الأنصاري عن سبب الدين ، فقال: اشترى طعاما بأربعين ألف درهم فأخبر عن أصل الطعام بشيء كرهه ، فتركه وتصدق به وبقي المال عليه فحبس .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا علي بن أبي علي المعدل ، قال: أخبرنا محمد بن العباس الخزاز ، قال: حدثنا محمد بن القاسم الأنباري ، قال: حدثنا أحمد بن عبيد ، قال: أخبرنا المدائني ، قال :

كان حبس ابن سيرين في الدين أنه اشترى زيتا بأربعة آلاف درهم ، فوجد في زق منه فأرة ، فقال: الفأرة كانت في المعصرة ، فصب الزيت كله . وكان يقول: عيرت رجلا بشيء منذ ثلاثين سنة أحسبني عوقبت به . وكانوا يرون أنه عير رجلا بالفقر فابتلي به .

عن بشر بن عمر ، قال: حدثتنا أم عباد امرأة هشام بن حسان ، قالت: قال ابن سيرين :

إني لم أر امرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي فأصرف بصري عنها . [ ص: 140 ]

وأخبرنا عبد الرحمن القزاز بإسناده عن أبي عوانة ، قالت: رأيت محمد بن سيرين مر في السوق فجعل لا يمر بقوم إلا سبحوا وذكروا الله تعالى .

أخبرنا محمد بن ناصر بإسناده عن عبد الله ابن أخت ابن سيرين : أنه كان مع محمد بن سيرين لما وفد إلى ابن هبيرة ، فلما قدم عليه قال: السلام عليكم ، قال:

وكان متكئا فجلس فقال: كيف خلفت من وراءك؟ قال: خلفت الظلم فيهم فاشيا ، قال:

فهم به فقال له أبو الزناد : أصلح الله الأمير إنه شيخ ، فما زال به حتى سكن ، فلما أجازهم أتاه إياس بن معاوية بجائزة ، فأبى أن يقبلها ، فقال: أترد عطية الأمير ، قال:

أتتصدق علي فقد أغناني الله ، أو تعطيني على العلم أجرا ، فلا آخذ على العلم أجرا .

قال علماء السير: رأى محمد بن سيرين كأن الجوزاء تقدمت الثريا ، فأخذ في وصيته وقال: يموت الحسن وأموت بعده ، وهو أشرف مني . فتوفي الحسن ، ومات بعده محمد بمائة يوم .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد ، . قال: أخبرنا أحمد بن علي ، قال: أخبرنا أبو سعيد الصيرفي ، قال: أخبرنا أبو العباس الأصم ، قال: حدثنا عبد الله بن أحمد ، قال:

حدثني أبي ، قال: حدثنا خالد بن خداش ، قال: قال حماد بن زيد :

مات محمد لتسع مضين من شوال سنة عشر ومائة .

603 - وهب بن منبه :

من الأبناء ، أبناء الفرس الذين أبعدهم كسرى إلى اليمن . أسند عن جابر ، والنعمان بن بشير ، وابن عباس . وأرسل الرواية عن معاذ ، وأبي هريرة . وكان عالما عابدا . وقال: قرأت من كتب الله عز وجل اثنين وتسعين كتابا . ومكث يصلي الفجر بوضوء العشاء أربعين سنة . [ ص: 141 ]

أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق ، قال: حدثنا محمد بن مرزوق ، قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت ، قال: أخبرنا علي بن محمد المعدل ، قال: أخبرنا ابن صفوان ، قال: حدثنا عبد الله بن محمد القرشي ، قال: أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن زرارة ، قال: حدثنا عبد المجيد بن عبد العزيز ، عن الثوري ، عن عبد العزيز بن رفيع ، عن وهب بن منبه ، قال:

الإيمان عريان ولباسه التقوى ، وزينته الحياء ، وماله الفقه .

أخبرنا إسماعيل بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو محمد بن أبي عثمان ، قال: أخبرنا أحمد بن محمد بن الصلت ، قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي ، قال: حدثني الحسن بن الحباب ، قال: أخبرنا محمد بن سهل بن عسكر ، قال: حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم ، قال: حدثنا عبد الصمد بن معقل ، قال: إن وهب بن منبه قال في موعظة له:

يا ابن آدم ، إنه لا أقوى من خالق ولا أضعف من مخلوق ، ولا أقدر ممن طلبته في يده ، ولا أضعف ممن هو في يد طالبه . يا ابن آدم ، إنه قد ذهب منك ما لا يرجع إليك ، وأقام معك ما سيذهب عنك ، يا ابن آدم ، أقصر عن تناول ما لا ينال ، وعن طلب ما لا يدرك ، وعن ابتغاء ما لا يوجد ، واقطع الرجاء منك عما فقدت من الأشياء . واعلم أنه رب مطلوب هو شر لطالبه . يا ابن آدم إنما الصبر عند المصيبة ، وأعظم من المصيبة سوء الخلف منها ، أمس شاهد مقبول ، وأمين مؤد ، وحكيم وارد ، قد فجعك بنفسه وخلف في يديك حكمته ، واليوم صديق مودع ، وكان طويل الغيبة وهو سريع الظعن ، وقد مضى قبله شاهد عدل . يا ابن آدم ، قد مضت لنا أصول نحن فروعها ، فما بقي الفرع بعد أصله . يا ابن آدم ، إنما أهل هذه الدار سفر ولا يحلون عقد الرحال إلا في غيرها ، وإنما يتبلغون بالعواري ، فما أحسن الشكر للمنعم ، والتسليم للمغير . إنما البقاء بعد الفناء وقد خلقنا ولم نكن ، وسنبلى ثم نعود ، ألا وإنما العواري اليوم والهبات غدا ، ألا وإنه قد تقارب منا سلب فاحش أو عطاء جزيل ، فأصلحوا ما تقدمون عليه بما تظعنون عنه ، إنما أنتم في هذه الدار عرض فيكم المنايا تنتضل ، وإن الذي فيه أنتم نهب للمصائب ، لا تتناولون نعمة إلا بفراق أخرى ، ولا يستقبل معمر منكم يوما من عمره إلا بهدم آخر من آجله ، ولا يحيى له أثر إلا مات له أثر . [ ص: 142 ]

أخبرنا محمد بن أبي القاسم ، قال: أخبرنا حمد بن أحمد ، قال: أخبرنا أبو نعيم الحافظ ، قال: أخبرنا محمد بن علي ، قال: حدثنا محمد بن الحسين بن قتيبة ، قال:

حدثنا نوح بن حبيب قال: حدثنا منير مولى الفضل بن أبي عياش ، قال:

كنت جالسا مع ابن منبه ، فأتاه رجل ، فقال: إني مررت بفلان وهو يشتمك فغضب وقال: ما وجد الشيطان رسولا غيرك ، فما برحت من عنده حتى جاءه ذلك الشاتم فسلم على وهب فرد عليه ومد يده وصافحه وأجلسه إلى جنبه .

توفي بصنعاء في هذه السنة . وقيل: سنة أربع عشرة . [ ص: 143 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية