صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

614 - خيار بن خالد بن عبد الله بن معاذ ، أبو نضلة المدلجي :

قاضي مصر لهشام بن عبد الملك ، كان رجلا صالحا . [ ص: 165 ]

615 - عطاء بن أبي رباح ، أبو محمد ، واسم أبي رباح: أسلم المكي ، وهو مولى الجنيد :

ولد لسنتين مضتا من خلافة عثمان ، وكان أسود شديد السواد ، أعور أفطس أعرج ، ثم عمي في آخر عمره ، إلا أنه كان فصيحا عالما فقيها ، أدرك أبا جحيفة وشهد جنازة زيد بن أرقم .

وروى عن ابن عمر ، وابن عمرو ، وأبي سعيد ، وأبي هريرة ، وزيد بن خالد ، وابن عباس ، وابن الزبير .

روى عنه: عمرو بن دينار ، والزهري ، وقتادة ، وأيوب .

وحج سبعين حجة ، وكان ينادي في زمن بني أمية بمكة : لا يفت الناس إلا عطاء بن أبي رباح ، فإن لم يكن فعبد الله بن أبي نجيح .

أخبرنا محمد بن أبي طاهر قال: أخبرنا أبو محمد الجوهري قال: حدثنا أبو عمرو بن حيويه قال: حدثنا أحمد بن معروف قال: أخبرنا الحسين بن الفهم قال:

حدثنا محمد بن سعد قال: أخبرنا الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان ، عن سلمة بن كهيل قال :

ما رأيت أحدا يريد بهذا العلم وجه الله غير هؤلاء الثلاثة: عطاء ، وطاووس ، ومجاهد .

عن معاذ بن سعيد قال: كنا عند عطاء بن أبي رباح فتحدث رجل بحديث فاعترض له آخر في حديثه ، فقال عطاء: سبحان الله ، ما هذه الأخلاق!؟ إني لأسمع الحديث من الرجل وأنا أعلم به ، فأريه أني لا أحسن منه شيئا .

أخبرنا إسماعيل بن أحمد السمرقندي قال: أخبرنا أبو محمد بن أبي عثمان قال:

أخبرنا أبو الحسن بن الصلت قال: أخبرنا أبو الحسين بن المنادي قال: حدثنا الصاغاني قال: أخبرنا معلى بن عبيد قال: [ ص: 166 ]

دخلنا على محمد بن سوقة فقال: أحدثكم بحديث لعله ينفعكم ، فإنه قد نفعني ، ثم قال: قال لنا عطاء بن أبي رباح : يا بني أخي ، إن من كان قبلكم كانوا يكرهون فضول الكلام ، أتنكرون أن عليكم حافظين ، أما يستحي أحدكم أن لو نشرت عليه صحيفته التي أملى صدر نهاره ، كان أكثر ما فيها ليس من أمر دينه ولا دنياه .

أخبرنا عبد الوهاب بن المبارك الأنماطي قال: أخبرنا جعفر بن أحمد قال: أخبرنا عبد العزيز بن الحسن بن إسماعيل الغراب قال: أخبرنا أبي قال: أخبرنا أحمد بن مروان المالكي قال: حدثنا إبراهيم بن إسحاق الحربي قال: حدثنا الرياشي قال:

سمعت الأصمعي يقول:

دخل عطاء بن أبي رباح على عبد الملك بن مروان وهو جالس على سريره وحواليه الأشراف من كل بطن ، وذلك بمكة في وقت حجه في خلافته ، فلما نظر إليه قام إليه وأجلسه معه على السرير وقعد بين يديه وقال له: يا أبا محمد ، حاجتك؟ قال: يا أمير المؤمنين ، اتق الله في حرم الله وحرم رسوله ، فتعاهده بالعمارة ، واتق الله في أولاد المهاجرين والأنصار فأنت بهم أجلست هذا المجلس ، واتق الله في أهل الثغور ، فإنهم حصن المسلمين ، وتعهد أمور المسلمين فإنك وحدك المسئول عنهم ، واتق الله فيمن على بابك ، ولا تغفل عنهم ، ولا تغلق دونهم بابك . فقال له: أفعل . ثم نهض فقبض عليه عبد الملك فقال: يا أبا محمد ، إنما سألتنا حوائج غيرك ، وقد قضيناها ، فما حاجتك؟ فقال: ما لي إلى مخلوق حاجة . ثم خرج ، فقال عبد الملك: هذا وأبيك الشرف ، هذا وأبيك السؤدد .

أخبرنا عبد الحق بن عبد الخالق قال: حدثنا محمد بن مرزوق قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: حدثنا أحمد بن أبي جعفر القطيعي قال: حدثنا محمد بن العباس الخراز قال: حدثنا أبو أيوب سليمان بن إسحاق الجلاب قال: قال إبراهيم الحربي :

كان عطاء عبدا أسود لامرأة من أهل مكة ، وكان أنفه كأنه باقلاء .

قال: وجاء سليمان بن عبد الملك أمير المؤمنين إلى عطاء هو وابناه ، فجلسوا إليه [ ص: 167 ] وهو يصلي ، فلما صلى انفتل إليهما ، فما زالوا يسألونه عن مناسك الحج ، وقد حول قفاه إليهم ثم قال سليمان لابنيه: قوما . فقاما ، فقال: يا بني لا تنيا في طلب العلم ، فإني لا أنسى ذلنا بين يدي هذا العبد الأسود .

أنبأنا محمد بن عبد الملك بن خيرون قال: أنبأنا أحمد بن علي بن ثابت قال:

أخبرني أبو الحسن علي بن أيوب الكاتب قال: أخبرنا أبو عبيد الله محمد بن عمران المرزباني قال: حدثنا محمد بن أحمد الكاتب قال: حدثنا عبد الله بن أبي سعيد الوراق قال: حدثنا عمرو بن شبة قال: حدثني سعيد بن منصور الرقي قال: حدثني عثمان بن عطاء الخراساني قال:

انطلقت مع أبي وهو يريد هشام بن عبد الملك ، فلما قربنا إذا بشيخ أسود على حمار ، عليه قميص دنس ، وجبة دنسة ، وقلنسوة لاطية دنسة ، وركاباه من خشب .

فضحكت وقلت لأبي: من هذا الأعرابي؟ قال: اسكت ، هذا سيد فقهاء أهل الحجاز ، هذا عطاء بن أبي رباح . فلما قرب نزل أبي عن بغلته ، ونزل هو عن حماره ، فاعتنقا وتسالا ، ثم عادا فركبا فانطلقا حتى وقفا بباب هشام ، فلما رجع أبي سألته ، فقلت:

حدثني ما كان منكما . قال: لما قيل لهشام عطاء بن أبي رباح [بالباب] أذن له ، فو الله ما دخلت إلا بسببه . فلما رآه هشام قال: مرحبا مرحبا هاهنا هاهنا . فرفعه حتى مست ركبته ركبه ، وعنده أشراف الناس يتحدثون ، فسكتوا . فقال هشام: ما حاجتك يا أبا محمد؟ قال: يا أمير المؤمنين ، أهل الحرمين ، أهل الله ، وجيران رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيهم أعطياتهم وأرزاقهم ، قال: نعم ، يا غلام اكتب لأهل المدينة وأهل مكة بعطاءين وأرزاقهم لسنة ، ثم قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الحجاز ، وأهل نجد ، أصل العرب ، ترد فيهم [فضول] صدقاتهم قال: نعم ، يا غلام اكتب بأن ترد فيهم صدقاتهم . قال: هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال:

نعم يا أمير المؤمنين ، أهل الثغور يرمون من وراء بيضتكم ، ويقاتلون عدوكم ، قد أجريتم لهم أرزاقا تدرها عليهم ، فإنهم إن هلكوا أغرتم . قال: نعم ، اكتب بحمل [ ص: 168 ] أرزاقهم إليهم يا غلام ، هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين ، أهل ذمتكم يحيى صغارهم ولا يتعتع كبارهم ، ولا يكلفون إلا ما يطيقون . قال:

نعم ، اكتب لهم يا غلام ، هل من حاجة غيرها يا أبا محمد؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين ، اتق الله في نفسك ، فإنك خلقت وحدك ، وتموت وحدك ، وتحشر وحدك ، وتحاسب وحدك ، ولا والله ما معك ممن ترى أحدا . قال: فأكب هشام وقام عطاء ، فلما كان عند الباب إذا رجل قد تبعه بكيس ما أدري ما فيه ، أدراهم أم دنانير . فقال: إن أمير المؤمنين أمر لك بهذا . فقال: لا أسألكم عليه أجرا إن أجري إلا على رب العالمين .

قال: ثم خرج عطاء ، فلا والله ما شرب عنده حسوة من ماء فما فوقه .

توفي عطاء في هذه السنة . وقيل: سنة أربع عشرة . وهو ابن ثمان وثمانين سنة .

وقيل: بل عاش مائة سنة .

616 - عمرو بن مروان بن الحكم ، أبو حفص :

لم يكن في بني أمية بمصر في أيامه أفضل منه . كان خلفاء بني أمية يكتبون إلى أمراء مصر لا تعصوا له أمرا . وكان يأتي عجائز كن في خراب المعافر ، فيدفع إليهن ما يكفيهن طوال السنة .

روى عنه: يزيد بن أبي حبيب وغيره . [ ص: 169 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية