صفحة جزء
باب ذكر أيوب عليه الصلاة والسلام

وهو أيوب بن أموص بن رازح بن عيص بن إسحاق بن إبراهيم . نسبه ابن إسحاق .

وقال هشام بن محمد ، عن أبيه: أيوب بن رازح بن أموص بن العيرز بن العيص .

قال وهب بن منبه: كان أيوب في زمن يعقوب عليه السلام ، وكانت تحته بنت يعقوب ، وكان أبوه ممن آمن لإبراهيم يوم إحراقه . وأم أيوب بنت لوط النبي صلى الله عليهما فلوط جد أيوب لأمه .

وبعضهم يجعل أيوب بعد سليمان ، وبعضهم يقول: هو بعد يونس . والذي يقتضيه الصواب تقديمه ، على ما قد اخترنا .

ونبينا أيوب في زمن يعقوب ، وكان ينزل بالبثنية من أرض الشام ، وكان غنيا كثير الضيافة والصدقة ، وكان إبليس يومئذ لا يحجب من السماوات فسمع تجاوب الملائكة بالصلاة على أيوب ، فأدركه الحسد ، فقال: يا رب لو صدمت أيوب بالبلاء لكفرك ، فقال: اذهب فقد سلطتك على ماله ، ثم سلطه على أولاده ، ثم على جسده ، [ ص: 321 ] وصبرت معه زوجته [رحمة] بنت إفراييم بن يوسف بن يعقوب .

قال مجاهد: أول من أصابه الجدري أيوب .

وقال وهب: كان يخرج عليه مثل ثدايا النساء ثم يتفقأ .

أخبرنا محمد بن ناصر ، أخبرنا جعفر بن أحمد السراج ، أخبرنا الحسن بن علي بن المذهب ، أخبرنا أحمد بن جعفر ، حدثنا عبد الله بن أحمد ، حدثنا أبي ، حدثنا كثير بن هشام ، حدثنا حماد بن سلمة ، حدثنا علي بن زيد ، عن يوسف بن مهران ، عن ابن عباس ، قال: عرج الشيطان ، فقال: أي رب سلطني على أيوب ، قال: سلطتك على ماله وولده ولم أسلطك على جسده ، قال: فنزل فجمع جنوده ، فقال: إني سلطت على أيوب فأروني سلطانكم ، قال: فصاروا نيرانا ثم صاروا ماء .

قال: وبينا هم بالمغرب إذا هم بالمشرق ، فأرسل طائفة إلى زرعه وطائفة إلى إبله وطائفة إلى غنمه ، وقالوا: اعلموا أنه لا يعتصم منكم إلا بمعرفة ، فأتوه بالمصائب بعضها على إثر بعض .

قال: فجاء صاحب الزرع ، فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل على زرعك نارا فأحرقه . وجاء راعي الإبل ، فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى إبلك عدوا فذهب بها . وجاء صاحب البقر ، فقال: يا أيوب ألم تر إلى ربك أرسل إلى بقرك عدوا فذهب بها . ثم جاء صاحب الغنم فقال مثل ذلك .

فقال: وجاء لبنيه فجمعهم في بيت أكبرهم ، فبينا هم يأكلون ويشربون فجمع أركان البيت ، فهدم عليهم البيت . قال: فجاء إلى أيوب في هيئة الغلام وفي أذنيه قرطان ، فقال: يا أيوب ألم تر إلى بنيك اجتمعوا في بيت أكبرهم يأكلون ويشربون ، فبينا هم كذلك إذ جاءت ريح فأخذت بأركان البيت فألقته عليهم ، فلو رأيتهم حين اختلطت دماؤهم ولحومهم وطعامهم وشرابهم ، فقال له أيوب: أين كنت أنت؟ قال: كنت معهم ، قال: فكيف أفلت ، قال: أفلت ، قال: أنت الشيطان ، قال: أنا الآن مثلي يوم خرجت [ ص: 322 ] من بطن أمي ، فقام فحلق رأسه ثم قام يصلي ، فأرن الشيطان رنة سمعها أهل السموات وأهل الأرض ، ثم عرج فقال: أي رب قد اعتصم وإني لا أستطيعه إلا بتسليطك فسلطني عليه ، قال: قد سلطتك على جسده ولم أسلطك على قلبه . قال: فنفخ تحت قدميه نفخة فصرخ من قرنه إلى قدمه حتى بدا حجاب بطنه ، وألقي عليه الرقاد .

قال: فقالت امرأته ذات يوم: يا أيوب قد والله نزل بي من الجهد والفاقة ، فبعت قرنا من قروني برغيف فأطعمك ، فادع ربك فليشفيك ، قال: ويحك كنا في النعماء سبعين عاما ، فاصبري حتى نكون في الضراء سبعين عاما .

قال: فكان في ذلك البلاء سبعين ، قال: فقعد الشيطان في الطريق ، فأخذ تابوتا يتطيب فأتته امرأة أيوب ، فقالت: يا عبد الله إن ها هنا إنسانا مبتلى فهل لك أن تداويه؟

قال: إن شاء فعلت على أن يقول لي كلمة واحدة إذا برأ ، يقول: أنت شفيتني ، قال: فأتته فقالت: يا أيوب إن ها هنا رجلا يزعم أنه يداويك على أن تقول له كلمة واحدة: أنت شفيتني ، قال: ويلك ذلك الشيطان ، لله علي إن شفاني الله أن أجلدك مائة جلدة ، فبينا هم كذلك إذ جاءه جبرئيل فأخذ بيده فقال: قم ، فقام ، فقال: اركض برجلك فركض فنبعت عين ، فقال: اشرب فشرب .

قال: ثم ألبسه حلة من الجنة وجاءت امرأته فقالت: يا عبد الله أين المبتلى الذي كان هاهنا لعل الذئاب ذهبت به أو الكلاب ، قال: فقال: ويحك لأنا أيوب قد رد الله إلي نفسي ، قال: فقالت: يا عبد الله لا تسخر بي ، قال: ويحك أنا أيوب ، فرد الله إليه ماله وولده بأعيانهم ومثلهم معهم ، وأمطر عليهم جرادا من ذهب .

قال: فجعل يأخذ الجراد بيده ثم يجعله في ثوبه فيأخذ فيجعل فيه ، فأوحى الله إليه: يا أيوب أما شبعت ، قال أيوب: من ذا الذي يشبع من فضلك ورحمتك؟!

قال: فأخذ ضغثا بيده فجلدها به . قال وكان الضغث مائة [شمراخ] فجلدها به جلدة واحدة .

[ ص: 323 ]

وبالإسناد حدثنا عبد الله ، حدثنا أبي ، حدثنا يزيد ، أخبرنا جرير بن حازم ، قال: سمعت عبد الله بن عبد بن عمير يقول: كان لأيوب أخوان فأتياه ذات يوم فوجدا له ريحا ، فقالا: لو كان الله علم من أيوب خيرا ما بلغ به كل هذا ، قال: فما سمع شيئا كان أشد عليه من ذلك ، فقال: اللهم إن كنت تعلم أني لم أبت ليلة شبعانا وأنا أعلم مكان جائع فصدقني . قال: فصدق وهما يسمعان ، ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني لم ألبس قميصا قط وأنا أعلم مكان عار فصدقني . قال: فصدق وهما يسمعان ، ثم قال: ثم خر ساجدا ثم قال: اللهم لا أرفع رأسي حتى تكشف ما بي ، فكشف الله ما به .

وقال يزيد مرة أخرى: لو كان لأيوب عند الله خير ما بلغ به كل هذا .

وقال وهب بن منبه: كانت زوجته تختلف إليه بما يصلحه ، وكان قد اتبعه ثلاثة نفر على دينه ، فلما رأوا ما نزل به من البلاء بعدوا عنه .

قال الحسن: مكث أيوب مطروحا على كناسة سبع سنين وأشهرا ما يسأل الله أن يكشف ما به ، وما على وجه الأرض أكرم على الله من أيوب .

وروى ابن جريج عن عطاء ، عن ابن عباس: أن أيوب عليه السلام مكث في البلاء سبع سنين وسبعة أشهر وسبعة أيام وسبع ساعات لم يتضعضع ولم يسأل العافية ، وكان يقول: يا رب إن كان هذا لك رضى فشدد ، وإن كان من سخط فاغفر .

قرأت على ابن ناصر ، عن سليمان بن إبراهيم [الأصبهاني] ، قال: أخبرنا عثمان بن أحمد الرقي ، أخبرنا محمد بن عمر بن حفص ، حدثنا أحمد بن الخليل القومسي ، حدثنا هارون بن معروف ، حدثنا ضمرة بن ربيعة ، عن بشير بن طلحة ، عن خالد بن الدريك قال: لما ابتلي أيوب قال لنفسه: قد نعمت سبعين سنة فاصبري على البلاء سبعين سنة .

قال علماء السير: كان عمر أيوب ثلاثا وسبعين سنة . وقال قوم: ثلاثا وتسعين سنة . وقيل: بل عاش مائة وستا وأربعين ، وأوصى عند موته إلى ابنه حومل .

[ ص: 324 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية