صفحة جزء
وفيها: ظهر إبراهيم بن عبد الله بن حسن بن حسن بن علي بالبصرة فحارب المنصور .

وفيها: قتل أيضا ، وكان من قضيته أنه لما أخذ المنصور عبد الله بن حسن أشفق محمد وإبراهيم فخرجا إلى عدن ، فخافا بها ، فركبا البحر حتى سارا إلى السند ، فسعي بهما ، فقدما الكوفة ، وكانت أم ولد إبراهيم تقول: ما أقرتنا الأرض منذ خمس سنين ، مرة بفارس ، ومرة بكرمان ، ومرة بالجبل ، ومرة بالحجاز . ووضع المنصور على إبراهيم الرصد ، وكانت له مرآة - قد سبق ذكرها - ينظر فيها فيرى عدوه من صديقه ، فنظر فيها فقال للمسيب: يا مسيب ، قد رأيت والله إبراهيم في عسكري ، فانظر ما أنت صانع .

وأمر المنصور ببناء قنطرة الصراة العتيقة ، ثم خرج ينظر إليها فوقعت عينه على إبراهيم ، وجلس إبراهيم ، فذهب في الناس ، فأتى مأمنا فلجأ إليه ، فأصعده غرفة له ، وجد المنصور في طلبه ، فقال سفيان العمي لإبراهيم: قد ترى ما نزل بنا ، ولا بد من المخاطرة . قال: فأنت وذاك . فأقبل إلى الربيع فسأله الإذن . قال: ومن أنت؟ قال: سفيان العمي . فأدخله على أبي جعفر ، فلما رآه شتمه فقال: يا أمير المؤمنين ، أنا أهل لما تقول ، غير أني أتيتك تائبا ، ولك عندي كل ما تحب إن أعطيتني ما أسألك . قال: وما لي عندك؟ قال: تأتيني بإبراهيم . قال: فما لي عندك إن فعلت؟ قال: كل ما تسأل ، فأين إبراهيم؟ قال: قد دخل بغداد ، وهو داخلها عن قريب ، فاكتب لي جوازا ولغلام لي ولفرانق ، واحملني على البريد ، ووجه معي جندا ، آتيك به . قال: فكتب إليه جوازا ، ودفع إليه جندا وقال: هذه ألف دينار فاستعن بها . قال: لا حاجة لي إليها كلها .

فأخذ معه ثلاثمائة دينار ، وأقبل حتى أتى إبراهيم وهو في بيت عليه مدرعة صوف - وقيل: بل قباء كأقبية العبيد - فصاح به: قم . فوثب كالفزع ، فجعل يأمره وينهاه حتى قدم المدائن ، فمنعه صاحب القنطرة بها ، فدفع إليه جوازه . قال: فأين غلامك؟ قال: هذا .

فلما نظر في وجهه قال: والله ما هذا بغلامك ، وإنه لإبراهيم ، فاذهب راشدا فأطلقهما ، فركبا البريد ، ثم ركبا سفينة إلى البصرة فاختفيا فيها . [ ص: 87 ]

وقيل: إنه قدم البصرة ، فجعل يأتي بالجند الدار - ولها بابان - فيقعد العشرة منهم على أحد البابين ويقول: لا تبرحوا حتى آتيكم . ثم يدخل الدار فيخرج من الجانب الآخر ويتركهم حتى فرق الجند وبقي وحده واختفى ، فبلغ الخبر سفيان بن معاوية ، فأرسل إليهم ، وطلب العمي ، فأعجزه ، ونزل إبراهيم على أبي فروة ، فاختفى وأرسل إلى الناس يندبهم إلى الخروج ، فلما بلغ الخبر أبا جعفر شاور ، فقيل له: إن الكوفة له شيعة ، والكوفة قد رافقوا ، وأنت طبقتها . فاخرج حتى ينزلها . ففعل .

وخرج إبراهيم ليلة الاثنين لغرة شهر رمضان من سنة خمس وأربعين ، فصار إلى مقبرة بني يشكر في بضعة عشر فارسا ، فكان أول شيء أصاب دواب لجماعة من الجند ، وأسلحة ، وصلى بالناس الغداة بالمسجد الجامع ، وتحصن سفيان بن معاوية في الدار ، ثم طلب الأمان فأجيب له ، ففتح الباب ودخل إبراهيم الدار ، فألقي له حصير ، فهبت ريح فقلبت الحصير ظهرا لبطن ، فتطير الناس لذلك ، فقال إبراهيم: لا تتطيروا . ثم جلس عليه مقلوبا والكراهة ترى في وجهه ، وحبس سفيان بن معاوية في القصر وقيده قيدا خفيفا . ووجد ببيت المال ستمائة ألف ، فغدا بذلك ، وفرض لكل رجل خمسين ، ووجه رجلا إلى الأهواز فبايعوا له ، وخرج عاملها فخاصم أصحاب إبراهيم فهزموه .

وبلغ جعفرا ومحمدا ابني سليمان بن علي - وكانا بالبصرة - مصير إبراهيم إلى دار الإمارة وحبسه سفيان ، فأقبلا في ستمائة ، فوجه إليهما إبراهيم المضاء بن جعفر في ثمانية عشر فارسا وثلاثين راجلا ، فهزمهم المضاء ، وصارت البصرة والأهواز وفارس في سلطان إبراهيم ، ولم يزل إبراهيم مقيما بالبصرة بعد ظهوره بها يفرق العمال في النواحي ، ويوجه الجيوش إلى البلدان حتى أتاه نعي أخيه محمد ، فأخبر الناس بذلك ، فازدادوا بصيرة في قتال أبي جعفر ، وأصبح إبراهيم من الغد فعسكر .

وأبلغ الخبر إلى أبي جعفر فقال: والله ما أدري ما أصنع ، ما في عسكري سوى ألفي رجل ، فرقت جندي مع المهدي بالري ثلاثون ألفا ، ومع محمد بن الأشعث [ ص: 88 ] بإفريقية أربعون ألفا ، والباقون مع عيسى بن موسى . [والله لئن سلمت من هذا لا يفارق عسكري ثلاثون ألفا] . ثم كتب إلى عيسى: إذا قرأت كتابي هذا فأقبل ودع ما أنت فيه . فلم يلبث أن قدم فبعثه على الناس ، وكتب إلى سالم بن قتيبة ، فقدم عليه من الري ، فضمه إلى جعفر بن سليمان ، وكتب إلى المهدي يأمره بتوجيه خازم بن خزيمة إلى الأهواز ، فوجهه في أربعة آلاف من الجند ، وبقي المنصور في أيام [حرب] محمد وإبراهيم على مصلى ينام عليه ، ويجلس عليه ، وعليه جبة ملونة قد اتسخ جيبها ، ولم يلتفت إلى النساء ، فقيل له في ذلك ، فقال: ليست هذه الأيام من أيام النساء حتى أعلم رأس إبراهيم لي أم رأسي لإبراهيم ، وكان قد أعد دواب وإبلا ، فإن كانت الكرة عليه خرج للري .

وكان قد أحصى ديوان إبراهيم من أهل البصرة مائة ألف ، فالتقى عيسى وإبراهيم فاقتتلوا قتالا شديدا ، فانهزم أصحاب عيسى فاعترضهم نهر فرجعوا ، فاقتتلوا قتالا شديدا إلى أن جاء سهم غائر ، لا يدرون من رمى به ، فوقع في حلق إبراهيم فنحوه عن موضعه ، وقال: أنزلوني . فأنزلوه وهو يقول: وكان أمر الله قدرا مقدورا أردنا أمرا وأراد الله غيره ، فأنزل وهو مثخن ، واجتمع عليه أصحابه يقاتلون دونه ، فشدوا عليهم ، فخلصوا إليه ، فجزوا رأسه ، فأتوا به عيسى ، فسجد ، وبعث به إلى أبي جعفر ، فقال: والله لقد كنت لهذا كارها ، ولكني ابتليت بك ، وابتليت بي . فنصبه في السوق ، وكان قتله يوم الاثنين لخمس بقين من ذي القعدة سنة خمس وأربعين ، وكان يوم قتل ابن ثمان وأربعين سنة . ومكث منذ خرج إلى أن قتل ثلاثة أشهر إلا خمسة أيام .

التالي السابق


الخدمات العلمية