صفحة جزء
ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر .

787 - جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أبو عبد الله [جعفر الصادق] .

أمه أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر . [ ص: 111 ]

كان عالما زاهدا عابدا ، أسند عن أبيه وعطاء وعكرمة .

حدثنا محمد بن أبي القاسم قال: أخبرنا حمد بن أحمد قال: حدثنا أبو نعيم الأصفهاني قال: حدثنا أبي قال: حدثنا أبو الحسن بن أبان قال: حدثنا أبو بكر بن عبد الله قال: حدثنا الوليد بن شجاع قال: حدثنا إبراهيم بن أعين ، عن يحيى بن الفرات قال: قال جعفر بن محمد لسفيان الثوري: لا يتم المعروف إلا بثلاثة: تعجيله ، وتصغيره ، وستره .

أخبرنا محمد بن القاسم قال: حدثنا حمد بن أحمد قال: حدثنا أحمد بن عبد الله الحافظ قال: حدثنا أبو الحسن أحمد بن محمد بن مقسم قال: حدثني أبو الحسن بن الحسين الكاتب قال: حدثني أبي قال: حدثني الهيثم قال: حدثني بعض أصحاب جعفر الصادق قال: دخلت على جعفر وموسى بين يديه وهو يوصيه بهذه الوصية ، فكان مما حفظت منها أن قال: يا بني ، اقبل وصيتي ، واحفظ مقالتي ، فإنك إن حفظتها تعش سعيدا ، وتمت حميدا ، يا بني ، إنه من قنع بما قسم له استغنى ، ومن مد عينه إلى ما في يد غيره مات فقيرا ، ومن لم يرض بما قسم الله له اتهم الله في قضائه ، ومن استصغر زلة غيره استعظم زلة نفسه . يا بني ، من كشف حجاب غيره انكشفت عورات بيته ، ومن سل سيف البغي قتل به ، ومن احتفر لأخيه بئرا سقط فيها ، ومن داخل السفهاء حقر ، ومن خالط العلماء وقر ، ومن دخل مداخل السوء اتهم . يا بني ، قل الحق لك وعليك ، وإياك والنميمة ، فإنها تزرع الشحناء في قلوب الرجال . يا بني إذا طلبت الجود فعليك بمعادنه .

أخبرنا محمد بن ناصر قال: أنبأنا عبد المحسن بن محمد قال: حدثنا مسعود بن ناصر السجستاني قال: أخبرنا سعيد بن أبي عمرو البحتري قال: سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن عبيدة يقول: سمعت أحمد بن سهل البخاري يقول: سمعت صالح بن محمد يقول: سمعت أحمد بن عبيدة يقول: سمعت محمد بن يوسف يقول: سمعت الثوري يقول: دخلت على جعفر بن محمد الصادق فقلت له: يا ابن رسول الله ، ما لي أراك قد اعتزلت عن الناس؟ قال: يا سفيان ، فسد الزمان ، وتغير الإخوان ، فرأيت الانفراد أسكن للفؤاد ، ثم أنشأ يقول:


ذهب الوفاء ذهاب أمس الذاهب والناس بين مخاتل وموارب [ ص: 112 ]     يفشون بينهم المودة والصفا
وقلوبهم محشوة بعقارب

788 - سليمان بن مهران ، أبو محمد الأعمش ، مولى بني كاهل .

أصله من طبرستان ، من قرية يقال لها: دباوند . ولد يوم قتل الحسين يوم عاشوراء سنة إحدى وستين ، وسكن الكوفة ، ورأى أنس بن مالك ، ولم يسمع منه . ورأى أبا بكرة الثقفي وأخذ بركابه ، فقال له: يا بني ، إنما أكرمت ربك عز وجل .

وسمع المغرور بن سويد ، وأبا وائل ، وإبراهيم التيمي ، وسفيان الثوري ، وغيرهم ، وكان من أقرأ الناس للقرآن وأعرفهم بالفرائض ، وأحفظهم للحديث وأوثقهم أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا ابن رزق قال: أخبرنا عمر بن أحمد قال: حدثنا حنبل بن إسحاق قال: حدثنا محمد بن داود قال: حدثنا عيسى بن يونس قال: لم نر نحن ولا القرن الذين كانوا قبلنا مثل الأعمش ، وما رأيت الأغنياء والسلاطين عند أحد أحقر منهم عند الأعمش مع فقره وحاجته .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي قال: أخبرني عبد الله بن أبي بكر بن شاذان قال: أخبرنا أحمد بن علي بن محمد بن الجهم قال: أخبرنا محمد بن جرير قال: حدثنا أبو هشام قال: سمعت عمي يقول: قال عيسى بن موسى لابن أبي ليلى: اجمع الفقهاء . قال: فجمعتهم ، فجاء الأعمش في جبة فرو وقد ربط وسطه بشريط ، فأبطئوا فقام الأعمش فقال: إن أردتم أن تعطونا شيئا وإلا فخلوا سبيلنا . فقال: يا ابن أبي ليلى ، قلت لك تأتي بالفقهاء تجيء بهذا؟ ! قال: هذا سيدنا ، هذا الأعمش .

أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت بإسناد له ، عن [ ص: 113 ] وكيع قال: كان الأعمش قريبا من سبعين سنة لم تفته التكبيرة الأولى ، واختلفت إليه قريبا من سنتين ، فما رأيته يقضي ركعة .

أخبرنا محمد بن ناصر قال: أخبرنا المبارك بن عبد الجبار قال: أخبرنا أبو بكر المنكدري قال: أخبرنا أبو الحسن بن الصلت قال: أخبرنا محمد بن القاسم الأنباري قال: حدثني ابن المرزبان قال: حدثنا أبو محمد البلخي قال: حدثنا محمد بن حميد قال: حدثنا جرير قال: جئنا الأعمش يوما فوجدناه قاعدا في ناحية ، فجلسنا في ناحية أخرى وفي الموضع خليج من ماء المطر ، فجاء رجل عليه سواد ، فلما بصر بالأعمش عليه فروة حقيرة قال: قم عبرني هذا الخليج . وجذب بيده فأقامه وركبه وقال: سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين فمضى به الأعمش حتى توسط به الخليج ، ثم رمى به وقال: وقل رب أنزلني منزلا مباركا وأنت خير المنزلين ثم خرج وترك المسود يتخبط في الماء .

قال مسلم بن إبراهيم: سمعت شعبة يقول: كان الأعمش إذا رأى ثقيلا قال [له]: كم عرضك تقيم في هذه البلدة .

قال الربيع بن نافع: كنا نجلس إلى الأعمش فيقول: في السماء غيم . يعني ها هنا من نكره .

أخبرنا ابن ناصر بإسناد له عن إسماعيل بن زياد قال: نشزت على الأعمش امرأته ، وكان يأتيه رجل يقال له: أبو البلاد مكفوف ، فصيح يتكلم بالإعراب يتطلب الحديث منه ، فقال له: يا أبا البلاد ، إن امرأتي قد نشزت علي ، وضيعت بيتي وغمتني ، فأنا أحب أن تدخل عليها فتخبرها بمكاني من الناس وموضعي عندهم . فدخل عليها فقال: يا هنياه ، إن الله قد أحسن قسمك ، هذا شيخنا وسيدنا ، وعنه نأخذ أصل ديننا ، [ ص: 114 ] وحلالنا وحرامنا ، لا يغرنك عموشة عينيه ، ولا خموشة ساقيه . فغضب الأعمش وقال: يا أعمى يا خبيث ، أعمى الله قلبك ، قد أخبرتها بعيوبي كلها ، اخرج من بيتي . فأخرجه من بيته .

عن الحسن بن يحيى بن آدم قال: حدثتني أمي قالت: لم تكن بالكوفة امرأة أجمل من امرأة الأعمش ، فابتليت بالأعمش وبقبح وجهه ، وسوء خلقه .

توفي الأعمش في ربيع الأول من هذه السنة ، وهو ابن ثمان وثمانين سنة . وقيل: توفي سنة سبع .

789 - عمار بن سعد السلهمي .

يروي عنه عطاء بن دينار ، وحيوة بن شريح ، وكان فاضلا ، كان يقول: من تخايل الثواب خف عليه العمل ، وما لاءم القلب خف على الجسد ، ولسان الحكيم في قلبه وقلب الأحمق في طرف لسانه ، ما خطر على قلبه نطق به .

790 - محمد بن عجلان ، مولى فاطمة بنت الوليد بن عتبة ، يكنى أبا عبد الله .

وكان ثقة كثير الحديث ، روى عنه حيوة بن شريح ، والليث ، وغيرهما . وكان يخضب بالصفرة . توفي بالمدينة في هذه السنة .

أخبرنا أبو منصور القزاز قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو محمد الخلال قال: حدثنا أحمد بن إبراهيم قال: حدثنا عبد العزيز بن أحمد الغافقي قال: سمعت عياش بن نصر البغدادي يقول: سمعت صفوان بن عيسى يقول: مكث محمد بن عجلان في بطن أمه ثلاث سنين ، فشق بطن أمه فأخرج وقد نبتت أسنانه .

أخبرنا محمد بن عبد الباقي بإسناد له عن محمد بن عمر قال: خرج محمد بن عجلان مع محمد بن عبد الله بن حسين حتى خرج بالمدينة فلما قتل وولي جعفر بن [ ص: 115 ] سليمان المدينة بعث إلى محمد بن عجلان فأتي به فبكته وكلمه كلاما شديدا وقال له: خرجت مع الكلاب . وأمر بقطع يده . فلم يتكلم محمد بن عجلان بكلمة إلا أنه يحرك شفتيه بشيء لا ندري ما هو ، يظن أنه يدعو . قال: فقام من حضر جعفر بن سليمان من فقهاء المدينة وأشرافهم . فقالوا: أصلح الله الأمير ، محمد بن عجلان فقيه أهل المدينة وعابدها ، وإنما شبه عليه ، فظن أنه المهدي الذي جاءت فيه الرواية ، فلم يزالوا يشفعون إليه حتى تركه . فولى محمد بن عجلان منصرفا لم يتكلم بكلمة إلى منزله . [ ص: 116 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية